الناظر إلى المجتمع في حالته العامة سوف تسترعيه مسألة مهمة ولافتة وهي مسألة تتعلق وترتبط باختلال الموازين وارتباك القيم والمبادئ وغياب المعايير حيث تغيب التراتبية في هذا المجتمع والفوضى في تقييم الكفاءات والقدرات والمواهب والناتجة عن الخلط الواضح في هذا التقييم بين ما هو خاص وبين ما هو عام حيث تتجلى «شخصنة» العملية المهنية والعلمية والإدارية داخل المنشآت والجامعات وداخل كل مؤسسات المجتمع وفيما تتقدم المصالح والمنافع والغايات الدنيا تتراجع ثقافة العمل الخلاق ويتم المعرفة والمهنية في أرقى أدبياتها وأبهى ملامحها ووجوهها، وعندما يتسنم المهمة الإدارية والثقافية والعلمية والتربوية الصغار تسقط المعايير وتتهاوى كل القيم والمبادئ، يطغى ما هو شخصي على ما هو مؤسسي، اللاحقيقي على الحقيقي، تغطي العتمة الضوء، ومشكلة الذين يتسنمون المواقع ويتقدمون الموائد، إنهم آتون من خلفية اجتماعية وإدارية وعلمية وثقافية صغيرة الرؤى فقيرة في التجربة لا فكر ولا عمق لها ولا تملك ما يؤهلها أن تكون في مقدمة الصفوف. وحالة غير الأكفاء عندما يديرون شؤون وشجون الناس ليست حالة سعودية مرتهنة ومرتبطة بالواقع السعودي وخلل التراتبية في سطح وعمق هذا المجتمع ولكنها حالة عربية وهي مرتبطة بتركيبة النظام التعليمي والتربوي وبالذهنية السائدة في المجتمع والتي تتحكم في الحياة في صغيرها وكبيرها. وهذه الحالة لا يمكن إغفالها وجعلها بعيدا عن الثقافة العائلية والعشائرية التي تلعب في ظهورها وبلورتها مجموعة القيم والمفاهيم السائدة في المجتمع ليس في الداخل السعودي فقط ولكن في عموم العالم العربي، وهناك رؤساء دول في العالم العربي يبدون صغارا أمام تاريخ وموقع وأهمية دولهم وبلدانهم إذ يبدو الرئيس أصغر من الدولة، إن المجتمع يكبر مع الكبار ويصغر مع الصغار حين يتقدمون واجهات المجتمع وعبقرية الأفراد تضيء المجتمعات وهناك من يحكمون دولا لكنهم يطفؤون عبقرية المكان وعبقرية التاريخ في بلدانهم ومجتمعاتهم ودولهم.. إن الصغار يكبرون بفعل الاعلام أو المؤسسة أو الإرث العائلي والعشائري، وفي ظل الفراغ المعرفي والعلمي والاجتماعي وفي اختلال تراتبية المجتمع إذ ليس بالضرورة أن الذين يتقدمون الصفوف الأولى هم الأفضل والأمثل دائما والأكثر وطنية وعلما ومعرفة، هناك من يقف في الصفوف الخلفية من هو أكثر فهما ووعيا ومعرفة ووطنية أيضا. نقلا عن عكاظ