في الوضعية الراهنة التي تشهدها المنطقة العربية، حيث تضيع الرؤى وتتشتت الأفكار، وفي اللحظة التي نجد فيها أن العرب تائهون.. لا يعرفون مواقع الخطى؛ بحثا عن ما يجعلهم أكثر اتفاقا وألفة.. لا أكثر انقساما وفرقة، في هذه الحالة السياسية التي تبدو المنطقة فيها تبحث عن أفق لحل أعقد مشاكلها الكبيرة ومأزقها التاريخي المتمثل في الصراع العربي الإسرائيلي، وسط ذلك كله تبدو كل الأحلام وكل الطموحات محل تشاؤم، ذلك أن الوضع العربي والإسلامي يحتاج إلى «لملمة» شتاته وتوحيد أفكاره؛ بحثا عن «مشروع» واحد يوحد هذه الأمة نحو ما يجعلها أكثر قوة وأكثر تماسكا، وبحثا عن ما يجعلها أكثر وعيا بتحدياتها واستحقاقاتها التاريخية والحضارية. ومن هنا، وعلى مدى سنوات طويلة تمتد لخمسين عاما، يبدو المشهد العربي غارقا في الأسى والمأساوية، خاصة أن هناك حالة من الافتراق والطلاق بين الفلسطينيين أنفسهم على مستوى الفكر وعلى مستوى الممارسة، فل«فتح» الممثل الشرعي للقضية الفلسطينية «أجندة» تقوم على المصالحة والمواءمة والتصالح مع «الذات» و«الأطراف الأخرى».. عربيا وعالميا، ول «حماس» أيدولوجيتها الفكرية التي لها امتداداتها في الداخل العربي والإسلامي.. وفي خارج الحدود، والنظام العربي مع هذا الطرف أو ذاك، وثمة مصالح تتباعد وفق رؤية وأيدولوجية وتتلاقى، والسؤال كيف يخرج العرب من الحالة الراهنة التي هم عليها، ليس على المستوى السياسي فقط، ولكن على المستوى الثقافي والفكري والاقتصادي والعلمي.. والتخلف يكاد يكون «ظاهرة عربية»، وهذه الظاهرة هي في العمق الاجتماعي، حيث ما زالت قيم الماضي هي التي تمسك وتتحكم بمسار التفكير العربي من قيم الثأر والإغارة، والفكر العشائري الذي لا يقوم على خلق مجتمع مؤسساتي أو ما يسمى بمجتمع المعرفة، إلى تكريس ثقافة السحر والشعوذة والتنجيم.. والفقه الاجتماعي السائد القائم على المناطقية والقبائلية. إن أزمة الأمة ليست سياسية فقط، ولكنها أشمل وأعمق، إنها أزمة سياسية وثقافية وتربوية وتعليمية واجتماعية، وأزمة مجتمع لا يعرف ولا يدرك ولا يعلم ماذا يريد. إن هذه الفجوة تحولت إلى جفوة بين صانعي القرار ومنتجي الفكر، وهذه الفجوة المعرفية ناقشها المثقف المصري البارز د. سعد الدين إبراهيم في بحث هام في «منتدى الفكر العربي» في عمان في الثمانينيات الميلادية، وتحولت فيما بعد إلى كتاب.. بمداخلات ومناقشات نخبة من المفكرين والباحثين، جاء تحت عنوان «تجسير الفجوة بين المفكرين العرب وصانعي القرارات». إن الحاسم في أمر المجتمع العربي هو أن المعنى الحقيقي للقضايا الوطنية والقومية في تراجع يدعو إلى الأسف والأسى والحزن أيضا، ذلك أن الأجيال الجديدة تبدو وكأنها بلا قضايا أو أهداف اجتماعية ووطنية تحركها، وتعمل على إشعال البعد العروبي والوطني والقومي. ومن هنا، نجد غياب الوعي العام في المجتمع العربي بأهمية الصراع العربي الإسرائيلي وأنه مرتبط بمصير الأمة حاضرها ومستقبلها في ظل سطوة القضايا الهامشية والسطحية ومحاولة تغييب الوعي لدى الأجيال العربية الطالعة. هل المجتمع العربي مجتمع متخلف؛ نتيجة للتخلف العلمي والثقافي والمعرفي والتنموي، وغياب التفكير العلمي الجاد في جامعاتنا وفي مؤسساتنا، وهو ما أدى إلى حالة من التخلف كما تقول بذلك تقارير التنمية العربية؟.. هل «التخلف» يكاد يكون ظاهرة عربية.. أم لا؟ الجزم بذلك يقتضي البحث والتقصي والمتابعة، ذلك أنني أرى جازما أن المجتمع العربي فيه من العبقريات والنوابغ في كل المجالات والمستويات ما يجعله مجتمعا حضاريا ومتقدما وبامتياز، ذاك أن هناك «أفرادا» مضيئين ومتميزين ومتقدمين.. علميا وثقافيا وفي كل فنون المعرفة والفن، وهناك مؤسسات «متميزة»، لكن هناك غيابا لحالة عربية تجعل من «الأمة العربية» أمة تحمل مشروعها الحضاري، والمجتمع العربي مجتمعا يعمل في منظومة كاملة ومتكاملة.. لا من خلال نظرة إقليمية واحدة وأفق محدود وضيق، وهو ما يجعل الانتصار على أعداء الأمة وخصومها بعيد المنال، إذ أن هذا الانتصار لن يتحقق إلا بسلطة العلم والمعرفة، خاصة في وجود أجيال جديدة كما قلت ليست لديها «رؤية» عن ما يحدث ويجري، بل إن هذه الأجيال لا تملك النزعة الوطنية نتيجة سطوة ثقافة العولمة واختراق حدود الدولة الوطنية.. ولا تملك الهموم والهواجس «القومية» المرتبطة براهن ومستقبل الأمة. وإذا كان العرب كما وصفهم المفكر الكبير عبدالله القصيمي «ظاهرة صوتية» لا تجيد إلا صناعة وصياغة الكلام.. أتساءل هنا: هل التخلف ظاهرة عربية.. حقا؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة