لدينا فقراء بدرجات شتى تتجه إليهم الدولة ومؤسسات المجتمع الخيرية باهتمام، وبخاصة منذ الإعلان عن استراتيجية مكافحة الفقر، واتخاذ حزمة جادة من الإجراءات في مجالات الإسكان الخيري، وتوسيع الضمان لشرائح أوسع من الفقراء، مثل: الأرامل والمطلقات والأيتام، ودعم أسر ذوي الاحتياجات الخاصة، وكلها خطوات مباركة نتمنى أن تزداد قوة دفعها والتنفيذ الكامل لاستراتيجية الدولة لمكافحة الفقر. مؤخرًا صرح معالي وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور خالد القصيبي في (منتدى الغد) أن المملكة تمكنت من القضاء على (الفقر المدقع) بشكل كلي وتسعى للقضاء على الفقر المطلق عبر مجموعة من الإجراءات في مجالات التعليم والصحة وغيرهما، هذا جيد لكن كنا نتمنى لو أوضحت الوزارة تفصيلًا لمفهوم الفقر المدقع، أي تحت خط الفقر بكم درجة، وعدد الذين كانوا يعيشون فيه والإجراءات التي انتشلتهم منه.. أيضًا نتمنى حقيقة أن نعرف حجم الفقر المطلق الذي تسعى الدولة لمكافحته وحجم شريحته ونسبته في كل منطقة، والأهم معرفة أسباب ذلك وتأثير الفقر سلبًا في المعيشة والتغذية والصحة والتعليم وغير ذلك مما يمكن علاجه لصالح فقرائنا ومن ثم الخطوات المقررة.. نعم هذا ما نتمناه وأن يُعلن حتى تسمع وترى كل الأطراف التي يهمها أمر علاج الفقر وتعرف المطلوب منها الآن، إن كانت وزارات أو قطاع خاص من مؤسسات اقتصادية كالبنوك المدعوة وبقوة أن تقدم مبادرة كبيرة موحدة صوب جهود القضاء على الفقر، فالدولة أقدمت على مشروعات عملاقة واتخذت قرارات مهمة لمعالجة الفقر، لكن هناك قطاعات اقتصادية أخرى في المجتمع يجب تفعيل شراكتها أيضا في المسؤولية تجاه التنمية الاجتماعية بمفهومها الشامل. إن الدولة عليها المسؤولية الأكبر والأساس، لكنها وحدها لا تستطيع عمل كل شيء ولا يجب ذلك مهما توفر لها من إمكانات، لسبب بسيط أن ما تنجزه لمكافحة الفقر يمكن وبسرعة البرق أن يلتهمه الغلاء، وهذا مثال آخر حاصل لغياب مفهوم الشراكة، فالغلاء يقوض كل خطوة للأمام، ويزيد أعداد الفقراء عندما تتفشى شراهة الربح مع أول زيادة في المرتبات ويستكثرون على الناس أن (يشموا نفسهم قليلًا) وتظهر عليهم النعمة، وللأسف عقارب ساعة الغلاء لا تعود إلى الوراء أبدا طالما الرقابة ليست على المستوى المطلوب إلا إذا تم ردع المتلاعبين والمستغلين، والحمد لله حدث هذا قبل أيام مع عدد من مستوردي الشعير، ونتمنى أن تصل يد الدولة إلى قطاع الأغذية وكل السلع الحيوية لتكف يد الغلاء والمغالين في الأسعار الذين أرهقوا عباد الله وأفقروا الفقراء أكثر على فقرهم، ناهيك عن فوضى ارتفاع الإيجارات السكنية بلا مبرر ولا رحمة ولا تنظيم. نحتاج بالفعل إلى صوت أعلى ونفس أطول مِن قِبَل وزارة التخطيط وكل الجهات المعنية في شرح قضية الفقر والشفافية بإحصاءات دقيقة والخطوات المتخذة وبجداول زمنية، وأن يكون لكل منطقة جهاز أو لجنة رسمية ترصد بؤر الفقر وتعمل ضمن مجالس المناطق وتحت إشرافها، والحمد لله مجالس المناطق نلمس حراكها الإيجابي تجاه التنمية المحلية ووضع قضاياها تحت المجهر لمعالجتها ناهيك عن جولات أمراء المناطق التفقدية وهذا شيء محمود ويثمر خيرًا بإذن الله. أتصور أيضًا أهمية دور الصحافة في رصد واقع قضايا الفقر ونتمنى التناول بموضوعية ودون مبالغة حتى تكون معلوماتها حقائق دقيقة أمام المسؤولين في المناطق أولًا، وقد أسهم دور الصحافة إيجابًا في رصد الكثير من مظاهر الفقر إن كان في حالات إنسانية فردية أو صورة جماعية لشريحة أو نطاق جغرافي أوسع مثل العشوائيات والأحياء الفقيرة وكثيرًا ما اتجهت إمارات المناطق والوزارات نحوها بخطط ومبادرات تنموية. وكما قلت إن الفقر أسبابه كثيرة ولسنا حالة استثنائية في وجوده ببلادنا لكن الأهم هو محاصرة أسبابه، فالفقراء ليسوا شريحة واحدة ولا أسباب فقرهم واحدة، فهنالك فقراء لا عائل لهم لعجز أو وفاة، ومعدومي الدخل وفقراء الإيجارات، وفقراء البطالة وفقراء الغلاء، وفقراء الديون وفقراء القروض طويلة الأجل، وكل هذا يتطلب دراسة وشمولية وخطط عملية نشطة والتكاتف فيها، فالفقير يؤلمه كثيرًا أن يشعر بالمثل القائل: «الشبعان يفت للجائع فتا بطيئا». نقلا عن المدينة السعودية