شارك الإعلام في جهود الدولة الرامية إلى تحديث المؤسسات والهيئات الوطنية والرفع من مستوى وعي وفهم المواطنين لما يجري من حولهم من تغييرات وتبدلات .. وكانت الصحافة المكتوبة – بصفة خاصة – عيناً وطنية تراقب مشاريع التنمية وترصد مواقعها وتتابع تنفيذها وتشير إلى مواطن الخلل وتسلط الضوء على مواقع الإجادة والإتقان. وكما مرت التنمية ومشاريعها بمراحل مختلفة فإن الإعلام هو الآخر عاش فترات ومراحل متباينة، كان في بعضها يتلمس طريقه حتى لا يقع في "المطبات" أو يصطدم بالحواجز التي يضعها في طريقه بعض المسؤولين، وكان في بعضها منطلقاً فرحاً بمساحة الحرية التي تعطيه حق الحركة والرصد والمتابعة لأداء دوره بثقة واطمئنان ومهنية.. وكلما اتسعت دائرة الثقة به وبالقائمين عليه زادت حريته المسؤولة، وتفانى في خدمة المجتمع وتسليط الضوء على حراكه ومساحة نشاط أفراده وحماسهم لاستثمار طاقاتهم في ما يعود بالنفع عليهم وعلى الوطن.. وكان أسلوبه، لتحقيق هذه الغاية، الرقابة على مشاريع التنمية التي خططت لها الدولة ورصدت لها الأموال وهيأت لها الظروف وتوفير المعلومة للمستفيدين وتتبع الأخطاء ومناقشة الأفكار وإفساح المجال أمام كل الأطياف لتبدي رأيها حتى تتضافر الجهود وتوظف الطاقات في سبيل الهدف المشترك، وهو أن يعرف أفراد المجتمع الجهود المبذولة لخدمتهم، حتى لا يقعوا في سوء الفهم الذي يقودهم إلى أخطاء لا يدركون أبعادها. والصحافة – بكتابها ومحرريها– أدت أدواراً مهمة وأساسية في مسيرة التنمية يستطيع أن يلحظها من يرصد، بإنصاف، تطور المجتمع السعودي وتسارع وتيرة نموه خلال العقود الماضية، فقد كانت في مقدمة المطالبين بتطوير التعليم ليكون قادرا على تخريج الصالحين لمتطلبات العمل والدعوة إلى إصلاح القضاء ليكون أداة لإشاعة العدل بين الناس ومحاربة الفساد والمحافظة على قيم المجتمع وحفظ كرامة الإنسان وصون عرضه وعدم التعرض لسمعته أو عرضه إلا ببرهان ومن خلال القنوات المشروعة، كما تصدت لمخالفي أنظمة الدولة ودافعت عن وحدة الوطن وأمنه وقيم أهله وتقاليده وحضوره الإنساني في المحافل الدولية. وفي السنوات الأخيرة – منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم– شهد الإعلام السعودي مرحلة مختلفة أبرز ملامحها "الحرية" وإفساح المجال للمخالف ليقول رأيه.. وأثبتت هذه التجربة أن النقاش المسؤول يسهم في إزالة سوء الفهم ويجمع أهل الوطن أكثر مما يفرقهم – كما كان يظن البعض – وهذه الحرية الإعلامية التي فرح بها الجميع وقدروها واستثمروا نتائجها ما كانت لتستمر لولا قناعة القيادة بهذا المنهج وحرصها على استمراره انسجاماً مع مبدأ الحوار الذي فتحت آفاقه على المستويين المحلي والدولي، ومازالت تدعو إليه وتوفر له كل أسباب الاستمرار والنجاح. وليس من شك في أن كل الأطراف – العاملين في الإعلام والمسؤولين في الدولة وأفراد المجتمع – يتفقون على المبادئ العامة التي تكفل حق النقد الموضوعي وعدم استهداف الأشخاص والإساءة إليهم سواء كانوا طبيعيين أو اعتباريين مع الحرص على صون كرامة الإنسان وحفظ عرضه وماله واحترام ثقافة وقيم المجتمع والوقوف في وجه كل ما يهدد أمن البلاد وسلامته الاجتماعية وبث النعرات أو أسباب الفرقة بين المواطنين والوقوف في الأسباب المؤدية إلى الجريمة، بكل أنواعها. فهذه قيم ومبادئ عامة لا يختلف عليها العقلاء المنصفون.. وكل الأنظمة والتشريعات التي تؤكدها وتحميها وتحرص عليها هي موضع تقدير واحترام وترحيب الجميع، ولا يمكن أن تكون موضع خلاف وإذا كان هناك وجهات نظر متعددة فهي تدور حول الأسباب والوسائل المحققة لهذه الأهداف الكبرى.. وخير مثال على هذا مفهوم "المصلحة العامة" التي حرصت عليها التعديلات الأخيرة في نظام المطبوعات.. فهذا المفهوم من الاتساع والأهمية والعمق والشمولية بحيث يكون موضع اهتمام ومسؤولية من كل أطياف الوطن – دولة وحكومة وشعبا – وهذه المصلحة لا تتحقق إلا بالتفاف الجميع حول الوطن وحماية مكتسباته وصيانة ثرواته وحفظ كرامة أهله .. وهذا يحتاج إلى منظومة من الوسائل يأتي الإعلام الواعي المدرك لدوره في مقدمتها .. وهنا سيكون من الطبيعي أن تظهر آراء مجتهدة في الوصول إلى الهدف المشترك. وهذا الوعي والإدراك لا يستمر إلا في ظل الحرية المسؤولة التي تمكن الإعلام من معالجة القضايا الوطنية بمهنية وشفافية مقنعة تجعل المتلقي يصدق ما يقول. وإذا فقد الإعلام الحرية فإنه – تلقائياً – سيفقد التأثير وحينها سينصرف عنه المتلقي إلى إعلام آخر. والتعديلات الأخيرة على نظام المطبوعات لا يجب أن تترك "مخاوف" في الوسط الإعلامي خشية انتقاص مساحة الحرية التي عاشتها صحافتنا في السنوات الأخيرة.. وهذا يستلزم لائحة تفسيرية توضح مناطق الغموض وتؤكد حرية التعبير المسؤول الذي يمكن الإعلام الوطني من أداء دوره كاملاً غير منقوص بسبب تفسير ضيق أو توجه يخالف روح القرار الملكي الذي أكد على حق تناول القضايا بمهنية تفصل الأخطاء عن الأعراض والسمعة. وأي لائحة أو تفسير ينقص مساحة الحرية أو يقيد الرأي الموضوعي سيكون معارضاً لروح التحديث التي تعيشها البلاد ويخشى أن يؤدي إلى التراجع عن مساندة توجه الدولة في محاربة الفساد وملاحقة المفسدين. نقلا عن الوطن السعودية