في نظرنا وقلوبنا يتربع على كرسي من الاحترام سماحة الشيخ صالح اللحيدان، وهو ذلك العالم الفذ، القاضي الأديب الأريب، وغني عن الذكر أن الشيخ صالح حمل على كتفيه هموم القضاء سنوات عديدة، تقلب وتقلد في القضاء والإفتاء أعلى المناصب، وحتى لا أطيل أحيلكم إلى توضيح فضيلته الأخير لفتواه التي تعتبر (سقطة الجواد) . ورغم حبي وتقديري للشيخ، إلا أن الحق أغلى منه في نفوسنا، ولا أحد فوق مستوى النقد كما ربانا على ذلك قرآننا الكريم والذي في عدة مواضع عاتب الله نبيه على عدد من المواقف، كما أنه من الطبيعي أن يلتفت العلماء والفضلاء لصدى فتواهم من جميع أفراد الناس، وهذا أمر يحدده بشريتنا وعدم عصمتنا من الأخطاء والزلل. فهذه الفتوى من الشيخ صالح – حفظه الله – لم تتغير في التوضيح، ولم تسد فيها مواقع الخلل الشرعي والقانوني، وذلك لان مقام التوجيه والنصح وبذل الوعظ يختلف عن مقام الفتيا ويختلف عن مقام القضاء. أما مقام التوجيه والنصح فنحن معه في بذل النصح وتوضيح الأخطاء بما يمليه الشرع والتصور التربوي، ولا شك أن أصحاب القنوات الفضائية ومتعاطي الإعلام بحاجة إلى النصح والوعظ والنقد، يتساوى في ذلك الأخلاقي والفني، خصوصاً في طريقة التعاطي مع قضايا العامة والحساسة منها، كما حصل من الابتذال في عدد من البرامج والمسلسلات المفروضة على الشاشة (الاختيارية) لكل متلقي، وقد مارسه الشيخ صالح، وله الحق كل الحق في ذلك أمام مقام الفتيا، فهو مقام العالم المؤهل المجتهد ولو إجتهاداً جزئياً، ومع إختلاف أحوال الناس وأعرافهم وفي نوع الفتوى عامة أو خاصة بما لا يسبب بلبلة أعظم إلا إذا كانت مصلحة إظهار الفتوى واضحة، خصوصاً إذا كانت موضع إجتهاد فالاجتهاد ليس ملزماً للناس في إتباعه كما حصل من الشيخ صالح اللحيدان في موضوع توسعة السعى والتي تعتبر من المصالح المرسلة والتي لولي الأمر الاجتهاد فيها بعد مشورة من يراه من العلماء كما حصل، ويذكر الشيخ – وفقه الله – (وذاكرة الشيخ جيدة) أنه في وقت ترأس الشيخ إبن إبراهيم – رحمه الله – لهيئة كبار العلماء حصل لغط داخلي نقاش حول السعي في الدور الأول للمسعى، وقد أوصى العلماء جميعهم على جواز ذلك سوى الشيخ إبن جبير والعلامة الشنقيطي دون أن تثير لغطاً ومخالفة لولي الأمر فيما رآه الأغلبية، ولم يجعلا إجتهادهما موقفاً شخصياً ينافحان عنه بمناسبة وبدون مناسبة كما حصل من الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -. أما مقام القضاء فالشيخ اللحيدان رجل قدير في القضاء عبر ورود آلاف الأحكام القضائية من تحت يده واستغرب من فضيلته دعوته لمحاكمة ملاك الفضائيات دون النظر إلى أركان المحاكمة والدعوى وسقوطها في كل ما دعي إليه!! عفا الله عنه. فالدعوى هي الإفساد في الأرض إستدلالاً بقول الله تعالى، فما هو الفساد في الأرض؟ وما مفهومه؟ وما محدداته؟ وهل يمكن قياس الفساد الذي ساهمت به، وهل كانت أصيلة فيه الفضائيات؟ أم هي عوامل عديدة تشترك فيه الفضائيات وغيرها مثل \"الفساد الإداري\" والملاحظات الكثيرة التي على القضاء والذي أضاع بعض حقوق الناس عبر تأخر بعض القضايا إلى ثلاثين سنة!! كمثال. أما المدعى فمن هو ؟ هل هم الآباء؟ أم أهل التربية؟ أم العلماء؟ أم المجتمع الذي أهمل جيله وجعله ضحية التربية القسرية فأصبح يتلصص في الاستراحات بجو موبوء لأنه فقد الحوار بالحرية والتعايش داخل عائلته، وعلى فهم الشيخ – حفظه الله – هذا المدعي أصبح متهماً أيضاً لأنه ساهم في إختيار القنوات السيئة. على أن الإعلام بعمومه هو سوق وتجارة، وكل يعرض بضاعته النفيسة والرديئة ويحرك (الريموت) باختياره فهو من شاهد وساهم بل وتفاعل. المدعى عليه، من هو؟ ملاك الفضائيات؟ هم غير موجودين، فقد هربوا خارج الوطن بحثاً عن مناخ ومدينة إعلامية حرة وأصبحوا تحت منظومة قانونية تكفلها الدول التي نظمت عبر إتفاقيات دولية عمل المدن الحرة. فلم يبقى إلا القناة الأولى السعودية وقناة المجد!! ولأول مرة أسمع الحكم قبل بدء مداولة الجلسة وهو القتل لكل أنواع الفساد دون سماع الدعوى ورد المدعى عليه، من ينظر الدعوى صار هو الخصم والحكم في غياب بديهيات العدالة المعتبرة شرعاً، ولعل من أبجديات العدل الاعتراف لبعض القنوات التي يلمح لها الشيخ اللحيدان بتثقيف الناس وتعليمهم حتى أمور دينهم، فبرنامج (حجر الزاوية) للشيخ سلمان العودة والذي يعرض في قناة MBC والذي اكتسح جميع طبقات الشعب السعودي وتعداه إلى البلاد العربية عبر صوت معتدل مشرف يمازج فيه بين الفقه والوعظ والتوجيه والفكر فاكتسب شريحة عريضة من الناس بداية كبار مسئولي الدولة إلى الشباب المراهقين، كما حدثني أحدهم أننا نستمع إلى الشيخ سلمان (وكأن على رؤوسنا الطير) . كم أحب الشيخ صالح اللحيدان!!، فقد استقبلني لا بصفة (القرابة)وإنما بصفتي أحد المحامين وأعجبت به كثيراً منصتاً لكل ملاحظاتي بكل تواضع حول نظام حجج الاستحكام والدعاوى الكيدية وودعني بكل حفاوة الكبار – حفظه الله وسدد خطاه -. إتكاءة حرف: وطني يتعرض لحملة شرسة وقذرة، وهذه الحملة تستهدف الوطن بكل مقدراته وأطيافه وأنواعه واتجاهاته الفكرية، لا تفرق بين أحد، فالمأمول من الجميع، ومن علمائنا بالأخص تقوى الله عبر فتاواهم وتحقق شرط تصور القضايا وهم العلم بالواقع وتغيراته وتحديات الوقت والفترة. صالح الدبيبي [email protected]