المشهد العربي العام يتحدث عن الإصلاح، والطرح الرسمي المستمر يبقى في حدود الوعود، حتى في الحالات القاسية، التي سجلت فيها الأحداث الدامية، لم نشهد خطوات إلى الأمام، فالوعود زينة كل خطاب وقرار. العقل العربي الرسمي لم يتغير أبداً، رغم مشاهد التغيير السريعة في عالمنا الصغير، ورغم قسوته، وما بثه من رعب في قلوب ضحاياه، ومع ذلك كانت المكابرة ديدن الجميع. فكل بلد شهد التغيير السريع بسقوط نظامه الحاكم، كان خطابه الرسمي مكابراً جداً بتعاليه عن أية احتمالات إصابة بعدوى الثورات، ومدعياً التحصين من أي خطر. موضة الإصلاح، التي انتشرت بعد العام ألفين وواحد، لم تغير العالم العربي. الحال بقي كما هو إلا من رتوش بسيطة، تجمل وتلطف الصورة العامة للبلد. لا إصلاحات جادة، لا حريات، لا حراك سياسي، لا شيء من الوعود الكثيرة المعلنة بداية العام ألفين واثنين. بل ذهبت بلدان عدة إلى مزيد من القمع، والحرمان من الحقوق السياسية والحريات الصحافية، وامتداد للسطوة الأمنية على مناحي إضافية من مناحي الحياة. ولم يتجاوز التغيير بصورته العامة إلا في حدود الشأن الاقتصادي، ولا فضل للأنظمة العربية فيها، فتلك كانت موجة عالمية أجبرت الجميع على التماشي معها، بما فيها الصين، الرأس الكبير. وللأسف، فالتغير الاقتصادي كشف بعد سنوات قليلة عن فساد مرعب، نتيجة التزاوج السياسي الاقتصادي، واختلاط المهام بين المجالين، وخير أمثلته تواجد رجال أعمال على هرم مؤسسات رسمية ووزارات، فقضوا على أنظمة بلدانهم خلال أقل من عقد واحد، ولعل في الحالة المصرية خير مثال. الوعود الإصلاحية المستمرة كانت تتدثر عباءة التدرج الزمني. أو ما كان يستهلك أمام العامة بوجوب وجود مراحل عدة للانتقال إلى الإصلاح الشامل، حتى لا تتسبب السرعة في تمزيق نسيج المجتمع، الذي لم يألف وجود حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية كانت مسلوبة، أو كان مغيباً عنها بفضل نظام أمني أو عسكري أو رعوي، وهي الحالات العربية المتوافرة. المشهد العربي العام خلال عقد مضى لا يشي بأي تغيير فعلي تم، وفق ما وعد به المواطن ضمن صيغة التدرج في الإصلاح. فالحريات السياسية "مكانك سر"، والسقف الإعلامي لم يرتفع كثيراً، والحقوق الإنسانية ما زالت منتهكة، وإن بصورة ألطف نسبياً، والعدالة الاجتماعية مازالت في حدود الرجاء. فلا إصلاح تدريجي حصل ولا وعد واحد تحقق، لذا كانت النتيجة ما شهدناه في تونس ومصر وليبيا، وما نشهده اليوم في اليمن وسوريا. نقلا عن الرياض