قال قائل: أنتم يا أساتذة الجامعات هجرتم معاملكم ومختبراتكم ومراكز بحثكم، وتركتم البحث العلمي الرصين، وملأتم عوضا عنه الصحف والمجلات بمقالتكم، ولم نرَ لكم اختراعا أو تطويرا يفيد الوطن ويحسن أوضاع المواطنين، أو يعود عليهم بالرفاه الاجتماعي أو الاقتصادي. وأردف قائلا: انظر إلى إنتاج الجامعات ومراكزها البحثية في الشرق والغرب، كم تُخرِج للعالم كل يوم من أفكار مبدعة، ومخترعات مستحدثة، تتحول في القطاع الصناعي إلى منتجات جديدة، تفيد المجتمع الإنساني، وتغزو الأسواق العالمية، وتعود - بعد ذلك - على دولهم بمردود اقتصادي يعمل على نموها المستمر، وأنتم فقط قابعون في مكاتبكم تسطرون الكلمات وتنمقون الجمل على صفحات الصحف والجرائد والمجلات. فقلت له: صدقت - والله - يا سيدي في جانب ضعف الإنتاج العلمي في جامعاتنا، ولكنك جانبت الصواب في الجانب الآخر، واسمح لي أن أوضح لك ما خفي عليك، وما دعاك إلى التجني على غالبية أساتذة الجامعات السعودية. فقال: تفضّل وهات ما عندك. فقلت له: أما بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الغربيةوالشرقية فقد وفرت لهم المراكز البحثية المتخصصة لإجراء أبحاثهم، من المعامل والمختبرات المجهزة بأكمل التجهيزات وأفضلها، ووجدوا كذلك طاقما من المعاونين والفنيين الأكْفاء لمساعدتهم، وحصلوا فوق ذلك على الدعم المادي اللازم – وبسخاء - لإجراء الدراسات والأبحاث العلمية والتطبيقية الجادة والرصينة. وقد فُرّغ نسبة منهم للبحث العلمي، ولم تشغل أوقاتهم بالأعباء التدريسية والإدارية، وبأعمال اللجان والاجتماعات، التي تبعدهم عن أبحاثهم ودراساتهم. فوجدوا نتيجة لذلك البيئة البحثية الملائمة، والدعم المادي والمعنوي الكافي للتفرغ للدراسة والبحث والإنتاج العلمي والفكري. وكان أجدر بك قبل كيل الاتهامات إلى أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية، والحكم عليهم بهذا الحكم الجائر نتيجة مقارنتهم بغيرهم من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الشرقيةوالغربية؛ أن يسبق النظر في ملابسات القضية وظروفها – كما يقول إخواننا الحقوقيون – وذلك بالمقارنة بين بيئة البحث العلمي في جامعات الشرق والغرب وبيئة البحث العلمي في جامعاتنا. أما الجانب الثاني، فقد أصبتَ في جزء منه، فإن مستوى الكتابة في الصحف والمجلات ومردودها لا يرقى إلى مستوى الإنتاج البحثي والعملي. ولكن أعضاء هيئة التدريس بكتابتهم في الصحف والمجلات، في ظل الأوضاع التي سبق ذكرها، يقدمون خدمة قد لا تقل أهمية عن البحث العلمي؛ لأن غالبيتهم يقدمون خطا فكريا تثقيفيا وتوعويا وتوجيهيا في كل مقالة يكتبونها. فهم بمقالاتهم إما يعبرون عن آمال المجتمع وتطلعاته، أو يتلمسون احتياجاته وآلامه، ويقدمون مع ذلك كله خلاصة خبراتهم وتجاربهم وأفكارهم - حتى وإن كانت نظرية - لحل المشكلات التي تواجه المجتمع، أو لتقديم مقترحات للتطوير، أو لنشر أطروحات مستقبلية للتحسين، أو للتنبيه إلى خلل قائم أو متوقع، في شتى المجالات التربوية منها والصحية والاجتماعية والعمرانية والاقتصادية، وفي غيرها من المجالات. نقلا عن الاقتصادية