كما أن الجهل ليس مجرد انعكاس لحالة عقلية تتسم بالنقص العلمي أو المعرفي ، فإن الوعي ليس مجرد انعكاس لحالة عقلية تتسم بالتقدم العلمي أو المعرفي . الوعي ليس مرتبطا بارتفاع المستوى الثقافي ، وليس ناتجا عن التقدم على صعيد التحصيل العلمي أو المعرفي .. الوعي حالة مرتبطة بخصال نفسية حميدة وبسجال أخلاقية راقية وبأنماط سلوكية نبيلة . والخصال النفسية الحميدة والسجال الأخلاقية الراقية والأنماط السلوكية النبيلة ، هي المكونات التي تتشكل منها فطرة الإنسان السوية . الفطرة هي المعيار الوحيد لقياس مستوى الوعي والجهل معا .. فبقدر ما تحافظ الفطرة على نقائها ، بقدر ما يرتفع مستوى الوعي لدى الفرد والجماعات .. وبقدر ما تتعرض الفطرة للتشويه ، بقدر ما يغرق الفرد والمجتمع في الجهل والجهالة والجاهلية . المسألة كما ترون مسألة نفسية وليست مسألة عقلية . وكما أن الجهل مرتبط بادعاء معرفة الحقيقة المطلقة ، وبالتعصب ، والعنصرية ، والانغلاق ، والجمود ، وعدم التسامح ، وعدم تقبل الآخر ، وغياب الموضوعية ، والاصطفاف والتحزب للطائفة والعرق والمعتقد ، وانعدام القدرة على مراجعة الذات ، وتقديس العرف السائد .. فإن الوعي مرتبط بالتسامح ، ونبذ التمييز بكافة أشكاله ، والانفتاح ، وتقبل الآخر ، والمرونة ، والقابلية لنقد الذات ، والقدرة على التجرد والنظر إلى الأمور بمعزل عن القناعات المسبقة ، والنفور من كل أشكال التحزب والاصطفاف وراء الطائفة والعرق والمعتقد ، وخلع صفة القداسة عن العرف السائد ، والقدرة على التمييز بين الخير والشر بناء على المبادئ الأخلاقية وليس القناعات الفكرية . الوعي عملية مرتبطة ارتباطا عضويا بالإنسانية . البساطة ليست نقيضا موضوعيا للوعي كما يصورها الكثيرون ممن احترفوا إطلاق مصطلحات التحقير بحق الأكثرية الشعبية ( العامة ) ، ( البسطاء ) ، ( الدهماء ) وصولا إلى ( الرعاع ) و ( الأوباش ) . النساء البسيطات اللائي تظاهرن في مصر خلال الثورة الشعبية ، لا يمكن أن يكن غير واعيات حتى ولو كان بعضهن أميات . وبائعو الخضرة وأصحاب الدكاكين والحرفيون في كل من تونس وليبيا واليمن ، أثبتوا أنهم يتمتعون بمستوى مذهل من الوعي . الوعي سمة من سمات التحضر ، والتحضر حالة غير مرتبطة دائما بالتقدم العلمي أو المعرفي . نقلا عن المدنية