الجهل ليس حالة نقص معرفي ، بقدر ما هو حالة اختلال نفسي . الجهل ليس مرتبطا بتدني المستوى الثقافي ، وليس ناتجا عن محدودية التحصيل العلمي أو المعرفي .. الجهل مرتبط بخصال نفسية سيئة بل ومنحطة ، يتم خلقها بواسطة عمليات التجهيل المنظمة . المسألة كما ترون ليست مسألة عقلية ، وإنما مسألة نفسية . كثير من حملة الشهادات العليا هم من الجهلة ، بل إن جزءا غير قليل من المثقفين أنفسهم ، ينتمون إلى نفس هذه النوعية من البشر . الجهل هو لازمة من لوازم التعصب ، والعنصرية ، والانغلاق ، والجمود ، وعدم التسامح ، وعدم تقبل الآخر ، وغياب الموضوعية ، والاصطفاف والتحزب للطائفة والعرق والمعتقد ، وانعدام القدرة على مراجعة الذات ، وتقديس العرف السائد .. وكل هذه خصال نفسية وليست عقلية . مرحلة ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية ، لم يُطلق عليها توصيف ( الجاهلية ) لتميزها بانعدام المعرفة أو تدني مستوى الثقافة . على العكس تماما ، فالمجتمع الجاهلي كان يهتم بالشعر ويتذوقه ويرويه ويحتفي به ، كما لم يحدث في أي مجتمع بشري ولا في أية حقبة زمنية من التاريخ . وعلى هذا فإن الجاهلية لم تكن تسمية مستوحاة من الواقع الثقافي أو المعرفي للمجتمع القرشي ، وإنما هي توصيف لخصال أخلاقية وسمات سلوكية لا تنسجم مع الفطرة الإنسانية السوية . ما لا يفهمه الكثيرون ، أن نوعية القيم الأخلاقية وأنماط السلوك السائدة ، تؤثر في الوعي أكثر بكثير مما تتأثر به . وإلا فما هو التفسير لحالة تشوه الوعي في ألمانيا إبان النازية ، رغم إسهامات الألمان غير المسبوقة ، في مجالات العلوم والفلسفة وكذلك الموسيقي ..؟ ما هو التفسير للتأييد الشعبي الكاسح لزعيم عنصري مثل هتلر ، وما هو التفسير لإقدام الشعب الألماني المتقدم على الصعيد العقلي ، على الزج بالناس في معسكرات الاعتقال وعلى حرقهم في أفران الغاز ، فقط لأنهم لا يتمتعون بما يسمى بالنقاء العرقي ..؟! أليست هذه هي الجاهلية بعينها ؟ الجهل مرحلة متقدمة من مراحل التشوه النفسي .