بحسب جريدة المدينة على موقعها الإلكتروني فإن "المجلس الأعلى للقضاء رفض في خطاب وجهه لوزارة العدل طلبا تقدمت به المباحث الإدارية عبر الوزارة للتحقيق مع القاضي بالمحكمة الشرعية بالمدينةالمنورة، وذلك "تجنباً للفتنة". وكانت الأجهزة الأمنية قد تقدمت بطلب لأخذ إفادة القاضي في عدد من القضايا التي ورد اسمه بها. وقال مصدر مطلع بوزارة العدل ل "المدينة" إنه تمت المصادقة شرعًا أمس على اعترافات ثلاثة من منسوبي المحكمة الشرعية المتورطين في قضية الفساد، أحدهم يعمل بمكتب القاضي الذي طالته الشبهة في هذه القضية". انتهى خبر "المدينة"، ولم أعثر في موقع مجلس القضاء على نفي أو تعليق على الخبر، ولذا سأسجل هنا ابتداء كما سجّل كثير من المواطنين، دهشتي ورفضي لما يجري، بل ومطالبتي بمحاكمة المسؤولين عن هذا الإجراء وإلغاء هذا المبدأ الخاطيء من رحم القضاء السعودي بالكامل. يعلم الجميع أن الفساد لم يكن له أن يستشري استشراء السرطان في جسد الوطن إلا بسبب غفلة عين الرقيب عن المحاسبة. ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أن شبهة الفساد هذه قد أصبح لها عن غير قصد ما يدافع عن أصحابها داخل المؤسسة القضائية ذاتها. فنخبة ما من المشتبه في فسادهم لا تتم محاكمتها خشية من الفتنة!. بالتأكيد أن هذه النخبة أصبحت اليوم أكبر عددا وأكثر فتنة، وبالتالي فإنه بناء على تصريح مجلس القضاء فإننا يجب أن نكفّ عن المطالبة بمحاكمة الفاسدين الذين ذهب ضحية فسادهم العشرات من القتلى في جدة والرياض وغيرهما من المدن. يجب أن نكفّ عن المطالبة بمحاكمة من مصّوا دماءنا على مدى سنين وعقود. يجب أن نكفّ عن محاكمة أحد أسباب عيش عدد من السعوديين في دائرة الفقر في دولة هي من أغنى دول العالم. ما هي الفتنة التي يتحدث عنها الخبر؟ هل هي فساد الأخلاق ونهب المال العام وتشريع الجرائم ولطم مشاريع الإصلاح ووضع العراقيل في طريق تقدم الوطن؟ هل هذه هي الفتنة التي يتحدث عنها الخبر؟ لا أظن هذا أبدا، لأن هذه الفتن هي النتيجة المتوقعة لهذا القرار، ولكن يبدو أن الفتنة المقصودة في القرار ليست سوى فتنة ستصيب جماعة من المشتبه فسادهم لا يريد أحد إزعاجها أو إقلاقها بأسئلة عن مئات من الملايين ستذهب كما ذهب غيرها. "لا أحد فوق القانون" هذا هو عنوان العدالة وأي اختلال في هذا المبدأ فهو اختلال كبير في العدالة ذاتها. يجب أن يكون جميع المواطنين خاضعين للمحاكمة في أي وقت متى ما استدعت الحاجة. المسؤولون يجب أن يكونوا أكثر أفراد الشعب قربا من المحاكمات ومن التحري والتأكد من نزاهتهم. المسؤولون هم أشخاص يعملون لخدمة المواطنين ويتم ائتمانهم على أشياء كثيرة منها أموال الناس. هؤلاء يجب أن تكون الرقابة عليهم مضاعفة مقارنة بغيرهم حفظا لحقوق الناس. أي إجراء يجعل من فرد من الأفراد وخصوصا المسؤولين فوق طائلة المحاكمة فهو إجراء فاسد، بل هو بوابة الفساد العامرة وطريق الفاسدين. الكل يعلم أن الفاسدين الكبار هم من المسؤولين الذين يملكون الصلاحيات. الموظف الصغير أو المواطن العادي لا يستطيع أن يكون فاسدا كبيرا حتى لو أراد لأن صلاحياته لا تتعدى مكتبه. إذن إذا كان المسؤولون الكبار فوق القانون باعتبار أنهم جميعا مظنة الفتنة فقل على العدالة السلام. الفتنة يا كرام هي الظلم. الفتنة هي أن يفتح المجال لمن نهب مال الناس ليمر بلا عقاب. الفتنة هي أن يصاب المواطنون بالقهر والحسرة واليأس والإحباط والكفر بالمؤسسات. في كل بلدان الأرض يمثل القضاء أمل الناس وعروتهم الأقوى في وقت الصعوبات، فما بال قضائنا يتجاهل غرقانا وقتلانا وجرحانا ودماءنا ونياح أمهاتنا وبكاء يتامانا ويحمي من يشتبه في تسببه في كوارثنا على مدى عقود من الزمن؟ الفتنة الحقيقية ستحدث إذا استمرت حماية الفاسدين أو من يشتبه في فسادهم من المحاكمات العادلة. التاريخ والواقع كلاهما يخبراننا أن الفساد هو قاتل الأوطان ومفكك الشعوب وجالب كل الأمراض. الفساد هو الظلم بعينه. فحين يناضل الكثير من المواطنين من أجل لقمة عيشهم وحياتهم الكريمة يرتع كثير من اللصوص بمال الناس يعبثون به ويرتكبون كل مشاهد الحمق والسفاهة. احمونا من الفاسدين، حاكموهم فردا فردا، لا تستثنوا منهم أحدا، أبطلوا كل الاستثناءات التي تحمي أفرادا أو جهات من المحاكمة. أعيدوا الأموال المسلوبة إلى ميزانية الدولة، أعيدوا الأموال إلى أطفالنا وأمهاتنا، إلى مستشفياتنا، مدارسنا، حدائقنا. أرجعوا أموال الناس للناس، أعيدوا حق الشعب للشعب. أحموا الناس من الموت خشية قطرات من المطر، أعيدوا للناس ثقتهم بأنفسهم وبمؤسساتهم وبمستقبلهم. نقلا عن الوطن السعودية