أظن أن هذه المرة الوحيدة التي يتفق فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما والزعيم الروحي لإيران آية الله علي خامنئي. الاثنان أيدا المتظاهرين المعارضين للنظام المصري، وأعلنا عن حماسهما لإقصاء الرئيس حسني مبارك من رئاسة الجمهورية. ووقف وراء كل زعيم موظفوه، فقد كرر دعم المتظاهرين نائب الرئيس الأميركي، وزاحمه أيضا رئيس مجلس الشورى الإيراني، ولم يبق إلا أن تسير مظاهرات تطالب برحيل مبارك في واشنطن وطهران، فهل نحن أمام تسابق أميركي - إيراني على الرئيس الآتي؟ أفهم جيدا الموقف الإيراني المتحمس لإسقاط النظام في القاهرة، لأن مصر هي العمود الرئيسي في المنطقة، وإسقاط نظامها، أو إضعافه، أو إشغاله يصب في مصلحة إيران التي تجاهد للتوسع، وهي في حالة حرب غير معلنة مع مصر منذ سنوات. لكنني لا أفهم أبدا الحماس الذي دب في البيت الأبيض والخارجية الأميركية والمطالبة الصريحة بخروج مبارك. فالمصريون، عدا عن أنهم سيرفضون الوصاية الخارجية وتدخل الغير في شأنهم الأول، أي الحكم، فإنهم أيضا لن ينظروا إلى الموقف الأميركي الحالي على أنه مناصر لهم، بل لا يهمهم ألبتة. في الوقت ذاته دعوات واشنطن تضعف الموقف التفاوضي القائم بين الأطراف، ويعطي إشارات خاطئة تعمق الأزمة. فالخلاف بين القصر وميدان التحرير في القاهرة هو حول تغيير الرئيس أو تغيير النظام. ويبدو أن رحيل مبارك مقبول، وهو تعهد شخصيا بالخروج، وربما يكون خروجا سريعا أيضا. أما تغيير النظام الذي يدعو إليه المعارضون مطالبين بتشكيل حكومة انتقالية، ونقل السلطات لهم، أو بمشاركتهم، فهو مرفوض. حشر واشنطن أنفها في الأزمة لن يمنحها شرف التأثير ولا الشكر والامتنان على تحقيق التغيير. بل على العكس تماما سيضعف النظام ويحرج المعارضة، وسيوسع الهوة بين الجانبين. وهذا ما دفع كثيرين لمحاولة تفسير موقف واشنطن، فيما إذا كان حالة انتقام لأن مبارك رفض الإنصات لنصائح الحكومة الأميركية التي كررت عليه مطلب الإصلاح لكن الرئيس المصري رفض، بل سمح بإقصاء المعارضة تماما في الانتخابات الماضية. أو هل تريد واشنطن إصلاح العلاقة مع القوة الجديدة في مصر من الشباب والمعارضة وأخذ موقف داعم لهم. أم هي سباق دولي للتأثير على الأحداث والنتائج؟ أعتقد أن المراهنة على سقوط النظام خطأ كبير ترتكبه الجهتان، الإيرانيون والأميركيون، وحتى لو شاركت في الحكم وجوه جديدة من المعارضة ستبقى المصالح الخارجية لمصر ثابتة، وغالبا ضد التوسع الإيراني وضد محاولات توسعها. واشنطن عرفت دائما أنها تؤيد الشرعية حتى تسقط، وعندما تسقط تسارع إلى منح الشرعية للمنتصر الجديد، وهي بذلك تخدم مصالحها. لكنها الآن تغامر كثيرا عندما تتدخل وتقرر أن على الرئيس أن يرحل فورا، وتعلنه على الملأ. فهي تستفز جماعات كثيرة داخل مصر، وتصيب المنطقة بأكملها بالقلق، وتشجع إيران على التدخل. أما بالنسبة لخامنئي فإنه قبل المعارضة المصرية قبلة الموت عندما خصص عشرين دقيقة من خطبة الجمعة باللغة العربية لتأييد المتظاهرين زاعما أنهم يسيرون على هدى ثورته وداعيا إلى إقامة نظام ديني مماثل لإيران. فخصوم إيران والخائفون منها سينفضون عن تأييد الحركة المعارضة التي بدأت شبابية وعفوية. والبقية تعرف أن النظام الإيراني نموذج رديء وحاليا مريض. فهو الآخر يعاني من ثورة شبابية مضادة وقد مارس قمعا وحشيا ضدهم. دعوا مصر للمصريين يحسمون أمرهم سريعا وبأنفسهم، وإلا فإن الاحتجاجات السلمية ستصبح معسكرات داخلية وخارجية. [email protected] نقلا عن الشرق الاوسط