العمل المؤسسي مجموعة الإجراءات والأنظمة التي تكفل إتمام العمل بفاعلية وشفافية دون التأثر بوجود الأفراد أو المؤثرات الأخرى, التي تميز بين قرار وآخر وفقا لمعطيات خاصة. هذه الإجراءات والأنظمة لا بد أن تكون مكتوبة وموضحة للجميع وغير خاضعة للحكم الفردي الذي يتأثر بعوامل كثيرة. كما يجب أن يضمن هذا النظام عدالة المعاملة للجميع وتحقيق مفهوم المساءلة عن الأعمال والقرارات المتخذة. لكن من الواقع الذي نعيشه مع قطاعاتنا العامة نرى أن كثيرا ممن تسلطوا على الوظائف القيادية، يتجنبون مبادئ العمل المؤسسي، ما أدى إلى قتل ملكة الإبداع. العلاقة بين القائد والإبداع يجب أن تكون علاقة طردية, فكلما زاد الإبداع تأثرت بالمقابل الصفات الشخصية للقائد. والقادة في ظل غياب العمل المؤسسي هم من يصنع الفرق, فالقائد المبدع يفقه تفويض الصلاحيات ويتقن تحديد المسؤوليات، ويبدع كثيرا في مناقشة النتائج والمساءلة عن أسباب القصور، ويملك الجرأة في التغيير وتحريك الدماء. من أكثر الأسباب التي قد تحد من إظهار إبداع القادة، التي هي انعكاس لغياب مأسسة العمل, هي تسمر كثير من القادة في مناصبهم لعقود من الزمن، ومحاربتهم كل تجديد أو تطوير أو تغيير. أيضا فإن ترك القرار في يد شخص بعينه، يعد من أهم أعداء الإنتاجية, فغياب هذا العامل قد يؤدي إلى توقف عجلة العمل. كما أن تغييب العمل بالإجراءات المكتوبة والمعلنة يفتح المجال لبروز القادة المتسلطين الذين يقفون حاجزا بين الإدارة العليا والمستفيدين من تلك الجهات. واحدة من أكثر الأمثلة معاصرة لهذا الموضوع هو التأخر الكبير في تنفيذ الحكومة الإلكترونية في كثير من الجهات الرسمية لدينا، والسبب واضح ولا يحتاج إلى أي تعليقات. لكن هل توجد طريقة سحرية للانتقال إلى العمل المؤسسي بسهولة ويسر؟ نعم، الطريقة سهلة ومطبقة في دول الجوار، هي من خلال عملية التنقيب والاستكشاف لإبراز قادة مؤهلين لإدارة وتوجيه القطاعات العاملة في الخدمة العامة. والمثال الذي نعيشه هذه الأيام من خلال النجاحات المتوالية لجامعة الملك سعود، من خلال الانتقال السريع واحدة من أكثر الجهات الرسمية بيروقراطية إلى واحدة من أكثر الجهات إبداعا، إنما اعتمد على مجموعة متكاملة من القادة نقبت عنهم الجامعة واستخرجتهم من بين ركام المعاملات الروتينية. وهذا العمل احتاج إلى سوبر قائد هو من قاد دفة التغيير إلى الإبداع في النجاح. حتى لا يأتي اليوم الذي نتحدث فيه عن بقايا ثقافة الإبداع في جامعة الإبداع، أتمني أن يستثمر قادة هذه الجامعة إمكاناتهم المتاحة في توثيق التحول إلى العمل المؤسسي، حتى تكون الجامعة مثالا يحتذى في الإبداع مثلما كانت نبراسا في سابق الأيام. نقلا عن الاقتصادية