الخبر الصحفي الصادق والتحليل الصحفي المتزن والقراءة الواضحة لأحداث العالم ومقالات الرأي ذات البعد التنموي والتطويري وافتتاحية الكثير من الجرائد المحلية والعالمية المرموقة كلها تنطلق من أهمية إحداث التغيير الإيجابي في المجتمعات, والحرص على وصول الرسالة الإعلامية التحليلية للمتلقي بكل صدق وأمانة وشفافية دون الاندفاع نحو الإثارة أو فبركة المعلومات والتصريحات أو العمل من خلال نظام الشللية أو المناطقية أو أي تجمع ذو ثقافة محدودة وضيقة. الصحافة السعودية عشنا ونعيش مع أغلبها رحلة من الثقة والاطمئنان لما يرد فيها من أخبار وتحليل لتلك الأخبار والمعلومات، حيث لا يمكن الشك في المعلومات التي توردها أو أن الناقل للخبر ممكن أن يحرفه أو يستغله للإثارة والتأثير السلبي على المعلومة أو الخبر، ولكن اللافت للنظر خلال السنوات القليلة الماضية نحت بعض صحفنا نحو الإثارة وإبراز الأخبار ذات المصادر غير الموثوق بها من أجل استقطاب القراء وتحقيق مبيعات أعلى, على أساس أن ثقافة الإثارة هي الأقدر على استقطاب العدد الأكبر من القراء ثم إن هذا العدد يقود إلى مبيعات أعلى والمبيعات تستقطب الإعلانات, والإعلانات ترفع نسبة المبيعات وارتفاع نسبة المبيعات تزيد الدخل. صحافة الإثارة قادت إلى كتاب الإثارة ومراسلي الإثارة، حيث تكون جيل جديد من الصحفيين والكتاب والمراسلين ليس لهم هم إلا البحث عن الإثارة وفبركة الأخبار وتصيد الزلات واستخدام العناوين الصحفية البراقة والمخادعة للقارئ وغيرها من التصرفات التي أفقدت القارئ المتزن الثقة بها, وأدت إلى نشوء جيل جديد من القراء يركض خلف الإثارة والثقافة السطحية غير المنتجة, حتى أن أحد كتاب مقالات الإثارة عندما اطلع على المداخلات التي ترد على موقعه في الجريدة التي يكتب فيها للتعليق على مقالة لا تخلو من تعليقات مثل ''لقد قتلته''، ''لقد سحقت'' ومثل هؤلاء الكتاب أو المراسلين والقراء هم من يقود صحافتنا نحو فقد المصداقية وعدم الثقة بما يرد فيها من أخبار ومعلومات وتؤكد على المقولة العامة ''كلام جرايد'' أي أنه كلام لا يفيد ولا ينفع وهو حقيقة لم نكن نعرفها في سنوات مضت. لقد تأملت ثم ناقشت مع العديد من الزملاء ممن لهم خبرة في الصحافة السعودية ويملكون الرؤية التي يمكن الاستناد إليها للاطلاع ومعرفة أسباب هذا الانحراف الصحفي الإعلامي الجديد والغريب على بعض جرائدنا وصحفيينا، وقد أوضح العديد من هؤلاء الزملاء الأسباب التي قادت وتقود لهذا الانحراف, ومنها أمران هما دخول فئة ذات مصالح خاصة لا تملك ما تخاف أن تفقده من احترام, وبناء على ذلك فهي تكتب لتحقيق مكاسب شخصية ولا يعنيها الالتزام بالمصداقية الصحافية. والسبب الثاني دخول المواقع الإلكترونية المنافسة لبعض الجرائد، حيث أصبحت أسرع في نقل الخبر أو الحدث مما أربك بعض القائمين على تلك الصحف التي تعتمد على الإثارة وهدد بقاءها على أساس أن تلك المواقع تنقل الأخبار دون التأكد من مصداقيتها وسلامة مصدرها. وبالتالي أثر في الصحافة والصحفيين المعتمدين على الإثارة, مما دفع بعض تلك الجرائد إلى منافسة المواقع الإلكترونية في ثقافة الإثارة دون المصداقية. إن المطلوب للعودة بالمصداقية الصحفية للصحافة السعودية بشكل عام ولبعض صحافتنا التي نحت نحو الإثارة والضجيج المضر بمستقبل الإعلام السعودي هو الاتجاه نحو الإعلام الاحترافي الذي يقوم على تفرغ الصحفي الذي يقوم بنقل الخبر ويتم تدريبه على حسن النقل والتحليل والخروج برؤية ذات بعد تنموي إصلاحي يحاكي الواقع ويقود نحو الإصلاح, ويستطيع أن يرى الغد بعين الأمين الصادق الذي يساعد من خلال طرحه على توليف القلوب وشد الهمم وإبراز الإيجابيات والإشادة بها, وإبراز السلبيات وإيجاد الأفكار والحلول التي تساعد على القضاء عليها ويبني الثقة بين الصحافة بشكل خاص والإعلام بشكل عام وبين القطاعات والمؤسسات والأفراد الذين يتطلب العمل الإعلامي مواجهتهم وتقويم أدائهم وعطائهم وتجعل من الإعلام المقروء والمرئي وغيره المعين بعد الله سبحانه وتعالى على الإصلاح والتطوير نحو موقع ومستقبل أفضل لهذا الوطن الغالي. أملنا كبير بعد الله سبحانه وتعالى في الهيئة السعودية للصحفيين أن يكون لها الريادة في تحقيق هذا الحلم الإعلامي المتزن وأن تطور خبرات وأدوات العاملين في الصحافة السعودية وتضع الضوابط لقياس الأداء وتقضي على مستغلي مهنة الصحافة للأعراف غير الصحفية، أعلم أن المهمة شاقة والرحلة طويلة وربما شاقة، ولكن وجود هذه الكوكبة المباركة في الهيئة قادرين بعد توفيق الله على تحقيق ذلك. نقلا عن الاقتصادية