إنّها المجاثة والعبث إلى حيث الكناسة الإعلامية المنبوذة..!! هذا هو حالنا هذه الأيام مع عالم الإعلام والاتِّصال، كما هو –كثيرًا- في عالم الحرف والكلمة..!! اليوم -واليوم حده- اجتمع بين يدينا ثلَّة من "المهرِّجين" في السَّاحة، بعد أن أتاحت لهم أدوات التواصل صوتًا للحديث، وقد جمعوا ما بين التَّفاهة في القول، والتَّفاهة في الكلمة، والتَّفاهة في العبارة؛ بل إنَّ بعضهم قد جمع ما بين أوصاله وأمخاخه آيات التَّفاهات، وارتوى آيات النِّفاق و"النَّفخة" المزعومة دون محكٍّ معقول، أو أسلوب مقبول. إنَّه الغثاء على دمن الكلمة، ودمل الإعلام، هو الغثاء في كلِّ لغة كانت، وفي أيِّ قالب، وبأيِّ لسان. ومِنْ هؤلاء مَنْ أعرفه حقَّ المعرفة، معرفة تحقيق لا تخمين، وهو مبهور بما يدوِّنه في حسابه كلَّ يوم، بعد أن تدلَّى بدلوه سارقًا لما اجتهد غيره في تدبيجه، وإنَّه ليكتب التغريدة تلو التغريدة؛ تقليدًا ومحاكاةً بلا صياغة، ولا حبكة، ولا بناء، دون أن يعي أنَّ في بعض ما يصدر عن الأطفال ما هو أجدر عبارةً، وأكثر تماسكًا، وأكيس وعيًا، وأصدق مقولاً من إعلامي -زورًا وبهتانًا- يعكف السَّاعات على سرقة مقولة من هنا وهناك، تارةً بالتَّحوير، وتارةً بالتَّبديل، وتارةً بالزِّيادة والنّقصان، والتَّقديم والتَّأخير، وتارات أخر بالصَّنعة المتكلَّفة؛ حتى تجرَّأ على حرث حسابه بسرقة من هنا وهناك، دون أن يستصحب مآلات تعريته أمام نفسه، وتعريتها بالسوءة سابقًا ولاحقًا قبل تعريتها أمام خلق الله..! وممَّا يزيد من هذا البلاء الماحق، كثرة التَّعريف بالنَّفس، واستجداء الثَّناء والإطراء في فجاجة مسفِّة، وقد جمع ما بين الجهل الفاضح، والمباهاة الكاذبة، وعيب الادِّعاء، ووقاحة القول، ونقيصة الفهم والإدراك؛ دون أن يقدِّم وزنًا عادلاً لآثاره الماضية، ومظاهر نفسه المخبوءة..!! وقد تبارى معه بعض "الجهلة" ممَّن طمس الله على أبصارهم، وأعمى بصيرتهم، فيزعمون -كما يزعم المجنون- بصحَّة عقله، ورجاحة فهمه، وندارة فكره. فخابوا وخاب مساعهم!! أقولها دومًا، بلسان الحال والمقال؛ إنَّني لست معنيًّا كثيرًا بالتَّافهين؛ ولكنَّني في المقابل معني بكلِّ ما يصدر عمَّن جمع ما بين التَّفاهة، والتلوُّن، والخسَّة، وتزيد عنايتي حينما يزعمون أنَّهم من الإعلاميين!! وتلك -وأيم الله- سُنَّتي؛ بعد أن عرفت عالم الإعلام، وعالم الصحافة، وعالم الكتابة، وبان لي أنَّ قلمي بدأ يجري بسموِّ المعاني، ويجرف ساحة الورق حين يهتزُّ لصرير الكلمات، ويرتجُّ لصريف الحروف. وكنت -بحمد الله- كاتبًا، ولمَّا أزل أجمع ما بين الرؤية، والفكرة، والأسلوب؛ سعيًا نحو الغاية التي أرتجيها، دون مآرب شخصيَّة أتطلَّع إليها، ودون هوى أبتغيه، أو أرتمي في أحضانه ومضانه. وجنَّبت نفسي ما يبتغيه طلاَّع الكذب والنَّفاق، وطلاَّب المطامع والمصالح الشخصيَّة. وحسبي في هذا المقام أني أتمثّل حقّ التمثل قول الشنفرى: وإن مُدَّت الأيدِي إلى الزاد لم أكنْ بأعجَلهم إذْ أجشعُ القومُ أعْجَل لم أزعم يومًا من الأيام أنَّني ذلك الكاتب الذي بزَّ أقرانه، أو ذلك الإعلامي الذي تصيبه "النَّفخة" الكذَّابة. ومنذ عرفت أنَّ للقلم حقَّه من الغايات المُثلى، وحقَّه من الأقوال الصَّادقة، لم أجرؤ يومًا على كتابة كلمة واحدة في غير ما تستحقه. ولكنَّني مع هذا لا أهضمُ حقَّ النَّفس حينما تريد النُّصفة لها، كما تريد النُّصفة لغيرها، سيَّان، وإن بدا صوت المهرِّجين هو الأعلى في السَّاحة بالتَّطبيل، خاصَّة في عالم كثرت فيه باحات الإسفاف والسيوح الرخيصة، وأسواق النَّخاسة. إنَّ المضرَّة -كلَّ المضرَّة- أن يكون أمثال صاحبنا هذا، ومَن لفَّ لفه خصمًا يومًا من الأيام على كلِّ جهاز حكومي يعملون فيه؛ لأنَّ النُّفوس المختلَّة تستطيع النَّفاذ إلى أغراضها الدَّنيئة بما تحمله من صنوف النِّفاق والبلبلة، وحبائل الشيطان. والعياذ بالله من نفخه ونفثه، وحين يعتصم به مَن هم على شاكلته من الجنِّ والإنس..!!
* بقلم الدكتور / ساري بن محمد الزهراني . * جامعة الباحة .