بدايتُنا من البيت الحرامِ وغايتُنا الهدايةُ للأنامِ من البلدِ المطهَّرِ من حراء من الركنين من بابِ السلامِ نطوف ببيتِ خالقِنا ونسعى ونركعُ خلفَ دائرةِ المقامِ هنالك لا نرى إلا سماءً مبرَّأة الأَدِيم من القتام إذا هجم الظلامُ حبته نوراً يعلِّمه الخروجَ من الظلام نسافر بالقلوب إلى مداها إلى ما فوق دائرة الغمام إلى الأعلى لأنّ الله أعلى إلى الأسمى لأن الحق سامي إلى ما لا نهاية من سموٍّ تتوق إليه أفئدة الكرام نطير بغير أجنحة، ولكن بأجنحة الترفُع والتسامي بأجنحة الترفع عن ضلال وعن تأصيل قاعدة الحرام خرجنا من مضيق الوهم لما تلا مختارُنا أسمى كلام بنى وحيُ الإله لنا حصوناً مشيّدةً من الهمم العِظام وقوَّم كل مُعوج لدينا وسلمنا مفاتيح النظام رسمنا أفق خارطة المعالي وجلَّينا لها بدر التمام وعلقنا قناديل التآخي تُضيء من العراق إلى الشآم وأطفأنا لظى نيران كسرى وكانت لا تملُّ من الضِّرام وحرَّرنا عقول الناس مما يصيرهم كقطعان النّعام وصيّرنا المياه لنا جسوراً عبرناها وموج البحر طامي غسلنا وجه ذبيان وعبس بماء من ينابيع الوئام وحولنا الصِّدام الى جهاد يريح الناس من هول الصِّدام هنالك يوم كنّا لا نحابي ولا نخشى مصاولة الطغام ويوم تعلَّم البدويُّ ديناً يؤهِّله لمنزلة العِظام ويوم سما بلال وهو عبدٌ ونال الذُّلُّ عمرو ابن الهشام تأخرت الثعالبُ والأفاعي وقُدِّم كل صنديد هُمام هنالك أصبح الإنسانُ حُراً سليم القلب موفور الذمام هنالك أَورق البستان حتى تشبثت الخزامى بالثمام وحتى أصبح الريحان يسقى بطيب شذاه أغصان البشام هناك غرستُ شتلة ذكرياتي وصُنت الشعر من عبث اللِّئام تسائلني الخزامى عن شذاها أيعجبني؟ وتجنح لاتهامي تسائلني الخزامى، ليت شعري أتفهم لو بثتت لها غرامي؟! أتفهم سر شعري حين يسري كما يسري دم في العرق حامي؟! قوافي الشعر يا زهر الخزامي تسير إلى المشاعر بانتظام ترى في مهرجان الكون رمزاً لدفع المسلمين الى الأمام وتقرأ في كتاب الحج معنى وألفاظاً تجدد كل عام تعبّر عن تلاحمنا وتمحو من الأذهان أشباح الخصام هنا في مهبط القرآن تُمحى فوارق كلّ حاميٍّ وسامي حشود صاغ منها الحجُ رمزاً بديعاً للتآلف والوئام فلست ترى سوى الإحرام ثوباً ولا سكناً لهم غير الخيام تواضع سيد وسما مسود ومد الشيخ كفا للغلام إذا انتظمت صفوف في صلاة رأيت خشوعهم خلف الإمام وتلك أكفهم رفعت فهزت رياح الشوق قلب المستهام هنا عرفاتنا وهناك جمع وعند مِنى أحاديث الزحام وفي صحن المطاف ترى رؤوساً حواسر تحتمي بأعز حامي وتسمع من دوي الذكر صوتاً ينقي الذاكرين من الأثام جموع من فجاج الأرض تأتي تتوق إلى رضى ربّ الأنام خلايا النحل تشبهها ولكن تباينت المقاصد والمرامي هنا في هذه العرصات تسمو مشاعرنا ويروى كل ظامي هنا أمن يبدد كل خوف ويتقن رسم دائرة السلام نظام صاغه رب البرايا وليس برمية من غير رامي تجلى في بقاع الخير، إني أقابلها بحبي واحترامي بقاع في رباها قام شعري ولم أشفق عليه من القيام وفيها جلت الآمال حتى تسامى القلب عن حب الحُطام وحتى صارت الأشواق جمراً له في خاطري أقوى ضرام بقاع الخير فيها ذاب حزني وألبسني الهدى أغلى وسام وفوق رمالها ركضت خيول من الذكرى مذهبة اللجام وقد حملت من التاريخ كنزاً به جاءت لتنبيه النيام أرى قمماً هناك بعين قلبي وعين القلب تبصر في الظلام هنالك حيث كان الغيث يهمي ووجه الأرض يضحك للغمام فلا تسأل عن الأنوار لما أضاءت لي سجلات الكرام رأيت بها الخليل مضى مطيعاً لأمر الله في قتل الغلام وأبصرت الذبيح يطيع أمراً ويُسلمه مقاليد الزمام أبي افعل ما أمرت به فإني سأحمل وطأة الموت الزؤام ستلقاني صبوراً مستجيباً أصدُ بهمتي روح انهزامي فلما أسلما برقت بروق تبدد ما تكدس من جهام وكان فداؤه كبشاً عظيماً وكان الصبر باباً للتسامي خيولَ الذكريات، حزمتُ أمري فلا تخشي عليَّ من السهام أجيلي ركضك المحبوب حتى يرطب مسمعي سجع الحمام هنالك حيث يسعد كل قلب برؤية مسجد الله الحرام ورؤية أم اسماعيل تسعى ويقهر يأسها قلب عصامي ورؤية بئر زمزم حين فاضت بما يشفي الصدور من السقام وأنقذت الرضيع وقد أحاطت بمبسمه البريء يد الحمام ورؤية خير خلق الله إني أرى في وجهه حسن الختام عليه صلاة خالقنا دواما وما أحلى الصلاة على الدوام حنانك يا بقاع الخير إني محب بات مذعور المنام أرى في مهرجان الكون شيئاً عجيباً لا يصور بالكلام مقام جل عن وصفي وماذا يقول الشعر عن أسمى مقام؟؟! الشاعر الدكتور- عبدالرحمن العشماوي