أكثر من سبب يمكن ذكره وراء تذمر ناشرين، عددهم ليس قليلاً، من تدني الإقبال في الدورة الجديدة من معرض الرياض الدولي للكتاب، التي حملت شعار «الكتاب ذاكرة لا تشيخ» واختتمت فاعلياتها أخيراً، وكانت انطلقت قبل عشرة أيام برعاية خادم الحرمين الشريفين. أحد الأسباب تزامن المعرض هذه المرة وربما للمرة الأولى مع عطلة مدرسية استمرت طوال أيام انعقاده، العطلة التي عادة ما تفضل شريحة كبيرة من السعوديين قضاءها خارج البلاد أو على الأقل بعيداً من مدينة الرياض، بالتأكيد أثر ذلك في خفض أعداد الزوار، فإلى اليوم السابع لم يكن زار المعرض سوى مائتين وخمسين ألف زائر، وفقاً لإحصائية نشرتها اللجنة الإعلامية، على العكس من الدورات السابقة، التي تتخطى هذا الرقم منذ الثلاثة الأيام الأولى. سبب آخر، هو معرض جدة الدولي، الذي عاد بعد انقطاع دام عشرة أعوام، وكان انطلق قبل نحو شهرين من الآن، وحقق مبيعات قدرها مائة مليون ريال (نحو 27 مليون دولار) وفق الإدارة المنظمة، فهذا المعرض زاره عدد كبير من محبي الكتاب والمولعين بالجديد في مجالات الأدب والثقافة وبقية العلوم، جاؤوا من مدن عدة. ولا يمكن نسيان سبب لم يعد جديداً، تعاني منه غالبية معارض الكتاب العربية، وهو الحروب والصراعات التي تشهدها المنطقة، وصرفت الاهتمام إلى حد كبير عن الكتاب بخاصة، وأثرت في الإقبال على التظاهرات الثقافية عموماً. قبل انطلاق المعرض، الذي حمل شكله الداخلي هوية «وسط الرياض التاريخي» إذ أخذت الممرات والبوابات والمداخل الرئيسة والتصاميم ومنصات التوقيع أسماء تنتمي إلى هذه المنطقة الحيوية، أدلى المشرف العام على معرض الرياض سعود الحازمي بتصريحات، أكد فيها أن الدورة الجديدة ستشهد تطويراً في نواحٍ عدة، مثل البرنامج الثقافي الذي ذكر أنه سيكون مختلفاً، لناحية الفاعليات وعدد المشاركين فيه، إلا أن مثقفين اعتبروا هذه التصريحات مجرد أمنيات، خصوصاً أنها ترافقت مع تأخر دأب عليه المشرفون السابقون، في إعلان البرنامج الثقافي إلى اليوم الذي يسبق انطلاقة المعرض. فالبرنامج الثقافي الذي توالت فقراته طوال أيام المعرض، بدا، في رأي عدد كبير من المثقفين، عادياً جداً مقارنة بدورات خلت، ولائحة المشاركين لم تحمل تنوعاً في الشخصيات العربية، عدا المشاركة السعودية التي كانت متنوعة وشملت الشباب والكبار، النساء والرجال. وركز «كتاب الرياض» على مؤازرة الجنود المرابطين على الحدود الجنوبية للبلاد وتقدير تضحياتهم، وخصص ل «عاصفة الحزم» معرضين فنيين. وتضمن البرنامج ندوة عن وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل. كرم المعرض رموزاً مسرحية قدمت الكثير للمسرح السعودي، على رغم التهميش وهشاشة الدعم اللذين يلقاهما المسرحيون في شكل عام، الأمر الذي دفع ببعض المهتمين بالمسرح إلى إثارة التساؤلات حول وزارة الثقافة والإعلام التي تكرم مسرحيين ولا تدعم المسرح في الوقت نفسه. إلا أن هناك من رأى في التكريم بادرة إيجابية تؤكد الاعتراف بهذا الفن، الذي يواجه تحديات نوعية.
دورة مرت بهدوء والمعرض الذي كان يثير السجال في دورات ماضية، بسبب احتجاج محتسبين على «الاختلاط» وتحفظهم على بعض العناوين، لم يشهد أحداثاً لافتة في هذا الصدد فمرت الدورة في هدوء. وعدا ما تم تأكيده من إدارة المعرض قبل الانطلاق، بخصوص منع دور النشر التي تطبع كتباً تخالف قوانين السعودية أو تتخذ مواقف مناهضة لسياساتها، لم تصادر اللجنة المنظمة أي كتب. من الأمور اللافتة في المعرض، الذي عرض أكثر من مليون ومائتي ألف عنوان، غياب الرواية عن قائمة الفائزين بجائزة «كتاب العام»، على غير العادة مع أن عدداً لا بأس به من الروايات السعودية صدر في العام الماضي. وفاز في هذه الدورة الشاعر جاسم الصحيح والكاتب محمد السيف وعبدالله البريدي والمسرحي فهد رده الحارثي. ما سبق ذكره لا يغير من الحقيقة التي ترسخت طوال الأعوام الماضية، أن معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي اختار اليونان ضيف شرف، يبقى في كل الأحوال أضخم معارض الكتاب بالنسبة للناشرين العرب، من ناحية القوة الشرائية الضاربة، الأمر الذي يدفعهم إلى عمل المستحيل من أجل ألا يرفض طلبهم المشاركة. في هذه الدورة، تم الاعتذار من حوالى 700 دار نشر، فعدد الدور التي شاركت 500 دار نشر فقط. وإذا كانت هناك دور نشر ارتفعت أصواتها تذمراً من ضعف الإقبال، فإن دوراً أخرى كانت حظوظها كبيرة فحصدت مبيعات جيدة، وفقاً إلى عناوينها الجديدة وسمعتها في عالم النشر، وتلبيتها مطالب فئات متنوعة من القراء. ومن الكتب التي نفدت في المعرض رواية «يهودية مخلصة» للكاتبة السعودية سالمة الموشي، إذ بيع أكثر من 400 نسخة، عدا 500 نسخة في معرض جدة. وهناك كتب حققت مبيعات كبيرة، مثل «قرين» لمنذر القباني و «خرائط التيه» لبثينة العيسى و «موت صغير» لمحسن علوان و «صدفة ليل» لعبده خال و «هشام ناظر... سيرة لم ترو» لتركي الدخيل و «كذبة إبريل» لسمر المقرن و «مادونا صاحبة معطف الفرو» لصباح الدين علي و «داخل المكتبة... خارج العالم» لراضي النماصي و «اليمن وأنبياء التوراة» لفرج الله صالح ديب و «الموريسكي الأخير» لصبحي موسى و «صلاة تشيرنوبل» لسفتلانا اليكسفيتش و «مصائر» لربعي المدهون وكتب أخرى. ومن الأمور الجديدة أيضاً في المعرض، الذي يقام في مركز المعارض الوطنية، هو قياداته الشابة، بدءاً من مدير المعرض سعد المحارب، إلى رئيس اللجنة الإعلامية سعيد الدحية الزهراني ورئيس اللجنة الثقافية الدكتور خالد الرفاعي، ورئيسة لجنة جناح الطفل سميرة السجا. اختيار قيادة المعرض من الشباب لقي ترحيباً واسعاً في أوساط المثقفين، إذ اعتبروه أمراً إيجابياً يدل على إيمان بالشباب وقدرتهم على تغيير الصورة النمطية عن المعرض.
دعم الثقافة والمثقفين وزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي، أوضح في حفلة افتتاح المعرض، أن الدورة الجديدة تأتي في أطر تنظيمية ترفع من مستوى الأداء، وأن وزارة الثقافة والإعلام تعمل بجميع قطاعاتها ولجانها «لإطلاق حزمة من الآليات لدعم الثقافة والمثقفين، ودعم المؤلف والناشر». وفي ما يخص ضيف شرف المعرض، قال الوزير «نسعد بمد جسور الصداقة والتواصل مع ضيف الشرف الجمهورية اليونانية بحضور ثقافتهم العميقة من خلال مجموعة من البرامج والفاعليات». وتطرق إلى الشباب الذين يديرون المعرض، فذكر أن الوزارة «استثمرت القدرات النوعية لمجموعة من الكوادر الشابة ليتولوا قيادة العمل بهذا المعرض». أما السفير اليوناني في السعودية، فقال أن جناح بلاده، يضم 40 خزانة مكتبية تشمل كتباً باللغتين العربية والانكليزية لتعريف القارئ العربي إلى عمق الروابط التاريخية بين البلدية، مشيراً إلى أن هذه الكتب تسلط الضوء على الهوية الوطنية اليونانية من الجوانب الثقافية»، وأكد الاعتزاز باختيار اليونان ضيف شرف الرياض.» * احمد زين .