لا يمكن إنكار الدور البارز الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في تغطية وتأطير المتظاهرين اللبنانيين الذين شاركوا في تحرك 29 آب (أغسطس) ليطالبوا بحقهم في «شوارع خالية من النفايات» و»كهرباء 24 ساعة « وغيرها من المطالب الحياتية اليومية. ضاق اللبنانيون ذرعاً بالوعود الدائمة بالإصلاح والتغيير التي تطلقها الطبقة السياسية والتي امتدت منذ الحرب الأهلية التي دمرت معظم المرافئ العامة في لبنان، فنزلوا إلى الشارع وصرخوا «كفى تهميشاً، نريد حقوقنا». ولعل تسجيل وسم «طلعت ريحتكم» أكثر من 4 ملايين تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي خير دليل على دور ال «سوشال ميديا» في حشد المتظاهرين, لاسيما أن العدد يقارب عدد سكان لبنان. هذه التغريدات التي تفاوتت بين مؤيد ومعارض لهذه الحملة، أرست مترتبات أساسية لا يمكن تجاهلها، اذ استطاع القائمون على الحملة تحويلها إلى «براند» أو علامة تجارية افتراضية تحمل في طياتها ما يدل عليها. واستعمل هذا الوسم سواء على «تويتر» أو «فايسبوك» من قبل المؤيد والمعارض، بحيث أصبح مشابهاً إلى حد ما إلى نظام «مينشين» الذي يتيحه «فايسبوك» و»تويتر» لمستخدميهما بهدف توجيه رسالة عامة يحدد فيها الأشخاص المعنيون بالرسالة. وانطلق هذا الحراك من منصات التواصل الاجتماعي حصراً، إذ أنشئت مجموعات عدة افتراضية تهدف إلى فتح النقاشات والمواضيع التي تعني مختلف المشاركين، إضافة إلى وضع خطط مستقبلية وتصورات لمستقبل هذا الحراك. ومع هذه الانطلاقة، نزل الناس إلى الشوارع وبدأت التظاهرات اليومية والوقفات التضامنية شبه اليومية. واللافت أن الحكومة ممثلة بأجهزتها التنفيذية لم تغب عن هذا العالم الجديد، إذ عمدت إلى إطلاق حملات مقابلة للرد على المتظاهرين، واستعملت الوسوم نفسها التي خلص إليها الحراك. وكانت تغريدة وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق من أبرز مظاهر هذه الحملة، إذ وفي ظل مطالبة المتظاهرين له بالاستقالة ل «تقصيره في أداء واجباته»، و»إعطاء الأوامر باستعمال العنف مع المتظاهرين»، استعمل المشنوق هذه الوسوم لتوجيه رسالة واضحة المعاني إلى من يطالبه بالاستقالة. ووجه المشنوق على حسابه الرسمي على «تويتر» يوم التظاهرة الكبرى، تحية إلى «قوى الأمن التي هي منكم ولكم ولحمايتكم»، و»تحية لجميع المتظاهرين السلميين ومنظمي التظاهرة، وتحية لبيروت الجميلة بتظاهرتها الحضارية اليوم على رغم إصرار قلة قليلة على تشويه هذه الصورة. تحية للحرية والديموقراطية والأمن والسلم الأهلي وهذا ما يوحدنا». وذيل المشنوق هذه الرسالة بالوسوم الأساسية التي تحرك هذه التظاهرة: «بدنا نحاسب» و»طلعت ريحتكم» و»مستمرون» و»عالشارع». هذه التغريدة لم تكن الوحيدة التي بثها المشنوق على صفحته، إذ سبقتها في اليوم نفسه ثلاث تغريدات حملت الوسوم نفسها، وكان في مضمون أحدها أن «نتائج التحقيقات في أحداث السبت الماضي ستعلن الأربعاء المقبل». لعل المشنوق في تغريداته تعمّد توجيه رسالة إلى المتظاهرين بوصفهم بغالبيتهم من الشباب الناشطين على مواقع التواصل وفاعلين فيها، ما يضمن وصول الرسالة إليهم. ولكن ما لم يقله المشنوق في تغريداته إنه وفي شكل واضح يعلن انتهاء آخر منبر تقليدي لمخاطبة الجماهير والمتظاهرين. فمن اللافت أن وزير داخلية أوصل رسائله عبر تغريدات مباشرة من دون الحاجة إلى عقد مؤتمر صحافي وهي الطريقة المعتمدة للرد الحكومي عادة، في حين أن المتظاهرين الذين انطلقوا من مواقع التواصل عقدوا مؤتمرات عدة للرد على المشنوق ورسائل النواب والسلطة الحاكمة. لم يقتصر دور وسائل التواصل في هذا الحراك على هذه الناحية، إذ لعب دورين رئيسين إضافيين، فاحتل الموقع الذي تلعبه القنوات والتلفزيونات المحلية والعالمية في بث الأخبار لحظة بلحظة، وخصوصاً بعد حادثة «اقتحام وزارة البيئة» وطرد القوى الأمنية وسائل الإعلام منها تمهيداً لطرد التظاهرين من مبنى الوزارة. وعلى رغم هذا الطرد، لم تتوقف وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بدأ بث الأخبار من داخل الوزارة بصورة مستمرة وبوتيرة أسرع من المعتاد، لتصبح هذه التغريدات والحالات الشخصية للمعتصمين داخل المبنى ركناً من أركان الأخبار في وسائل الإعلام المحلية والعالمية. إضافة لما سبق، لعب الإعلام المعارض دوراً إضافياً مستعيناً بهذه الوسائل، إذ سرعان ما «ركب الموجة» وشن حملة شخصية ضروس على بعض مؤسسي الحراك، محولاً صفحات «فايسبوك» و»تويتر» إلى ما يشبه ساحة حرب فعلية، وإن لم يسل الدم منها.