أقيمت صلاة الاستسقاء اليوم في جميع مدن المملكة ومحافظاتها ومراكزها اتباعاً لسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام عند الجدب وتأخر نزول المطر، أملاً في طلب المزيد من الجواد الكريم أن ينعم بفضله وإحسانه بالغيث على أنحاء البلاد. كما أقيمت الصلاة في الجامعات ومدارس البنين بمختلف مناطق المملكة. ففي مكةالمكرمة أدى جموع المصلين صباح اليوم صلاة الاستسقاء بالمسجد الحرام يتقدمهم وكيل إمارة منطقة مكةالمكرمة الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخضيري، ومعالي الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، ونائب الرئيس العام لشئون المسجد الحرام الشيخ الدكتور محمد بن ناصر الخزيم، وأم المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، الذي ألقى خطبة أوصى فيها المسلمين بتقوى الله عز وجل، إذ بها الملتزم وعليها المعول والمعتصم، وبها تصلح الأحوال وتحسن العاقبة. وقال فضيلته " إننا أصبحنا في زمن لا يزداد الخير فيه إلا قلة، ولا الشر فيه إلا كثرة، لا الحق فيه الاخفاء، ولا الباطل فيه الا شيوعا .. لقد كثر الطمع واشتد الجشع وظهر الربا وكثر الغش وشاعت الرشوة وعم الغلول إلا أن الواحد منا يرى في غيرما سبيل طغيان النفاق وانتشار الكذب والزور والرياء والسمعة واعتلاء صيحات المتمردين عن دينهم المتسللين عنه لواذا والمستهزئين بشريعته . وأضاف الشيخ الشريم : ومن قلب طرفه بعين بصيرته فانه لا يبصر إلا فقيراً يكابد فقراً أو غنياً بدل نعمة الله كفراً أو بخيلا اتخذ الكفر بحق الله وفراً. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام قائلا :لقد رجع فئام من الناس على أعقابهم فغالتهم السبل واتكلوا على الولائج فاتخذوا من دون الله ورسوله والمؤمنين وليجة، ولقد وصل أقوام غير الرحم وهجروا السبب الذي أمرهم الله أن يوصل ، فنقلوا البناء عن رص أساسه وبنوه في غير موضعه فمن منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدنيا مباين. ومحصلة تلك الأمور خفاً في الحق وخمول في الذكر وقسوة في القلب ووحشة بين العبد و بين ربه ومنع لإجابة الدعاء وضنك في المعيشة ومحق في البركة والرزق والعمر وحرمان في العلم إذ تتولد هذه كلها من معصية الله ومن الغفلة عن ذكره كما يتولد الزرع من الماء والإحراق عن النار فاستبدل أقوام شرا بالذي هو خير وجهلا بما هو علم ونور وانتظروا بسوء أفعالهم الغير انتظار المجدب المطر من السماء . وقال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم: إن الله جل وعلا جعل من الماء كل شيء حي ليختبر عباده ويبتليهم أيشكرون أم يكفرون فأنزله سبحانه من المزن ليشربوا امتنانا منه سبحانه على عباده .وجعل سبحانه الماء محنة وبلاء وعقوبة يرسلها للعاصين من عباده والمعرضين عن هديه وشريعته . وقد جاء في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا لا تكّن منه بيوت المدر ولاتكن منه الا بيوت الشعر "، كما جعل سبحانه من أحوال الماء أن ينزل من السماء فتكون الأرض له كالقيعان لا تحبس ماء ولا تنبت كلاء . وقد جاء في مسند أحمد ما يدل على أن قلة الأمطار وشحها وعدم الإنبات من علامات الساعة، فقد قال أنس رضي الله تعالى عنه كنا نتحدث أنه لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء ولا تنبت الأرض وحتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، ثم أن البركة كل البركة في نزول المطر الذي تنبت به الأرض ويحيا به الموات . وقال إمام وخطيب المسجد الحرام في خطبته : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ولقد كان آباؤنا وأجدادنا يخرجون للاستسقاء تائبين منيبن راجين فكان لا يخلهم المطر غالبا ولربما نزل عليهم وهم في مصلاهم . ولقد كانوا مع فقرهم وقلة ذات اليد عندهم أكثر بركة منا وأوسع عافية وذلك بسبب قربهم من الله وقلة معاصيهم وشيوع العدل بينهم والفرار من الظلم فرار الصحيح من الأجرب وتطبيق شرع الله قولا وعملا في كافة شؤون حياتهم فلذلك حصل لهم ما حصل من سعة في الدين وبركة في الرزق فالخير والبركة والوفرة أمور مرهونة بالعدل والحكم بشريعة الله ورفع المظالم عن الناس وإقامة الحدود كما أوجب الله جل وعلا والتمسك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم والعض عليه بالنواجذ . ودعا الشيخ الشريم الله أن ينزل علينا الغيث ولا يجعلنا من القانطين وأن يسقينا غيثا مغيثا مريئا عاجلا غير آجل وأن يسقي عباده وبهائمه وأن ينشر رحمته وأن يحيي بلده الميت . وأدت جموع المصلين بالمسجد النبوي بالمدينةالمنورة صلاة الاستسقاء يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة. وأم المصلين فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي الذي ألقى عقب الصلاة خطبة حمد الله سبحانه وتعالى في بدايتها وأثنى عليه لنعمه الظاهرة والباطنة التي منّ بها على عباده ، داعياً المسلمين إلى تقوى الله حق تقاته فهو سبحانه وتعالى الذي يكشف البلوى وأمر عباده بالدعاء وجعله مفتاحاً لكل خير. وقال فضيلته : إن المسلمين اشتكوا جدب ديارهم وتأخر المطر عن زمانه وقد أمر الله عباده بالدعاء ووعدهم بأن يستجيب وأن الله تبارك وتعالى جعل الخير كله في طاعته فما وقع بلاء ولا نزل إلا بذنوب ولا يرفع إلا بتوبة إلى الله تبارك وتعالى فإن التوبة جماع الخير كله. وبين فضيلته أن لله سبحانه وتعالى سنن في هذا الكون فمن أطاع الله وأخذا بها ليسعد فإنه يسعد في الدنيا والآخرة وقد جعل سبحانه الطاعات أسباب لكل خير وقد جعل المعاصي أسباب لكل شر فما من خير في الدنيا والآخرة إلا وسببه طاعة الله عز وجل وما من شر في الدنيا والآخرة إلا وسببه معصية الله عز وجل، مشيراً إلى أن تقوى الله تبارك وتعالى وإمتثال أوامره وإجتناب ما نهى عنه والتقرب إليه وإبتغاء وجهه تعالى بالعمل هي سبب السعادة والخير في الدنيا والآخرة ،مستشهداً فضيلته بقول الله تعالى ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ). ودعا فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين إلي العمل بأسباب السعادة وطلب ما عند الله من الخير بطاعته تبارك وتعالى فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته ،وأن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده اظهار الفاقة والحاجة والإضطرار إليه ،فليسأل المسلم ربه في كل أموره فأنه القادر على كل شئ . وبين فضيلته أن لنزول الغيث أسباب كالإحسان إلى الخلق بالصدقة والزكاة وأسباب لإمساكه كمنع الزكاة والتحاسد والتباغض والتظالم فعلى المسلمين تقوى الله سبحانه وتعالى واصلاح ذات البين والإقبال على الله ورد المظالم والإستكثار من عمل الخير. وفي ختام خطبته سأل الشيخ الحذيفي الله عز وجل أن يغفر للمسلمين جميعاً وأن ينزل عليهم الغيث وأن لايجعلهم من القانطين وأن يسقيهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق غيثا طيباً نافعاً وأن يجعله متاعاً وقوة لهم وبلاغاً الى حين عاماً عاجلاً غير آجل يغيث به البلاد والعباد وينتفع به الحاضر والباد .