الحرية سنة الله القدرية والشرعية لخلقه، قبل أن تكون حقاً تنادي بها الجمعيات الحقوقية المدنية،، ولذلك قال تعالى: ( وهديناه النجدين )؛ أي الطريقين، طريق الخير وطريق الشر، فله أن يختار ما يشاء.. لكنها –في نفس الوقت- حرية مسؤولة.. ( من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها )... بالحرية تتدافع بكرات الحياة بانسيابية كانسياب بكرات الساعة.. ولا يمكن لأيٍ منها أن تتأخر عن حركتها الدقيقة المستمرة المتناسقة، وإلا دفعتها أخواتها، فهي ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ).. لكن، عندما تساورنا الشكوك وتغيب عنّا سنن الحياة وأمر الله فيها.. وعندما يتعاظم في دواخلنا شعور المنقذ المخلّص أو المستبد المسيطر نبدأ بتقييد انسيابية حركة بركات الحياة، فنسّرعها أو نبطؤها.. والنتيجة تختل ونختل معها... الوالد المستبد أو قل حتى المنقذ يقتل طموح ابنه وابنته.. المدير والمسؤول الديكتاتور يحطم روح الفريق والإبداع في مؤسسته.. المعلّم المتسلّط لا يبني جيلاً مبدعاً مطوِّراً، إنما يقدّم جيلاً تبعياً، لا يثقل كفة ميزان، ولا يمثل رقما صعباً إيجابياً في مجتمعه... والسبب وراء هذا التقييد اللامسؤول هو الوصاية العامّة والنبوّة أو حتى الربوبية الزائفة من مدعيها بأفعالهم، وإن لم يدّعوها بأقوالهم، وسابقهم ومثالهم في ذلك من قال الله تعالى عنه ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )... عندما تشرئب أعناقنا للتطور المذهل والإبداع الحقيقي والتقدّم المتسارع عند غيرنا.. فعلينا أن نطلق أيادينا من القيود اللامسؤولة حتى نلحق بهم، وعلينا أن نتنازل عن بعض أهوائنا وأطماعنا المقيّدة لحريتنا القدريّة المسلوبة.. فكما للحرية من غُنم ومصلحة فعلى سالبها الغُرم.. ولكنه غُرمٌ محمود، إنه غُرم الصدق والوضوح.. غُرم المسؤولية والمساءلة.. غُرم الاشتراك في القرار والمصير.. غُرم ( أشيروا عليّ أيها الناس )... إن الأحرار هم صانعو المجد والرفعة، ومبدعو الصنعة والفكرة.. أخلاق عالية سامية، ونفوس أبية عزيزة.. تنتج أمجاداً ومآثر، مدادها في ذلك قلم سيّال واثق، وفكرة نيّرة مضيئة، وبيئة زكيّة حرّة.. ولذلك صدق حدس من قال: ( أعطوا الحر فرصة ).. وسترون العجب... ودمتم سالمين أحراراً