عالم قامت فيه الحضارة على عبادة الهوى، ومعصية الرحمن, واستعبد الأشرار فيه الأخيار! عالم سادت فيه الشهوات , وشاع الفساد والظلم والظلمات! عالم اتخذ الناس فيه إلههم هواهم ,ولم يحتكموا إلا إلى جهالهم ! عالم يزهو فيه الباطل ويتجبر , وينطمس الحق ويتعثر! عالم تلاطمت فيه أمواج الفتن, وكثر الولوغ في الدماء, وظهر المرجفون في كل مكان بأسماء براقة وحلل بهية ! عالم انتشر فيه النفاق بأقبح صوره, والقول على الله بغير علم، ونطق الرويبضة! عالم هذا شأنه , وتلك حقيقته ,قد أشفى ولاريب على النهاية , فلا بقاء لعالم سلك مسالك الشر والغواية! ثم تأتي رياح التغيير تحمل في طياتها الكثير من العبر ولا ت حين مناص , حينها عصفت النيران, وانفجرت ثورات الشعوب المحرومة والمكلومة, لطالما عاشت الذل وتكمييم الأفواه , فهبت نسائم الفرج, وانبلج نور الفجر يحمل أبهى صور النصر والكرامة ..لكل مقهور ..ولكل مأسور.. المتأمل في الأحداث اليوم يجد أن من أهم المؤشرات التي عزّزت الحدس بقرب الانفجار؛ بلوغ الظلم والفساد أوجهما , وما كانت قد عرفته تونس ومصر وسوريا واليمن من انتفاضات في الأشهر الماضية , مثلت سلسلة من الإنذارات للرؤساء الذين لم يستوعبوا, وتمادوا في انتهاج سياسة القمع, والسنة ماضية. إن حالة الاحتقان القصوى التي بلغها أبناء الشعوب المقهورة, من تدهور في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية ؛ بفعل شيوع الاستبداد والفساد في مناحي الدولة والمجتمع , مثلت تربة خصبة غذّت جملة من العوامل التي ساعدت على إنجاح الثورات لعلّ أبرزها: أولا/ أنهم اجتمعو على مطالب عادلة, وقضايا مشتركة , لا تفرقهم أفكار حزبية, وطوائف متضادة , ورؤى خاصة .. ثانيا/ السلمية في الثورات كانت لها قدم السبق والريادة في تحقيق ثوارت أكثر نضجا ووصولا للهدف المنشود بأقل الخسائر البشرية والمادية . ثالثا/ أعداد البديل السياسي ، إذ يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يُستبدَل به الاستبداد، وهذا للأسف ما يفتقده الشعبين المصري والتونسي .. رابعا/ غياب الأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية ، أو عدم قدرتها على قيادة المتظاهرين وتحريضهم وتوجيههم ، مما عسّر مهمة محاصرة الأحداث واحتوائها ؛ لعدم وجود قيادة معينة يمكن اعتقالها أو التفاوض معها.. خامسا/ دور بعض الفضائيات مثل قناة الجزيرة ، وبعض الشبكات الاجتماعية مثل فيس بوك في تغطية الأحداث على الأرض ، ونقل الأخبار المستجدة ، والتطورات الحاصلة ، وبث الرسائل التوجيهية والمحفزة على مزيد الانتفاضة... إلا أن الطغاة من بعض الرؤساء لهم منهجهم في البقاء , بسفكهم للدماء وإهلاكهم للحرث والنسل فقد لطخوا تاريخهم بالخزي والعار ودماء الأبرياء الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا .. لكن الله لهم بالمرصاد (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار) ....... عبد الله محمد عديان القرشي أبو أيمن 10/10 /1432 ه