إن الجهود الكبيرة التي بذلت من أجل إحياء سوق عكاظ بثقله التاريخي المعروف في ذاكرة الحضارة الإنسانية، يشير بوضوح إلى بُعد النظر الذي تتحلّى به قيادتنا الرشيدة ممثلة في مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، حفظهم الله جميعًا. فهذا الإحياء الذي بلغت قمته في الدورة الرابعة من عمر سوق عكاظ في مظهره الحديث، والتي انطوت صفحته قبل أيام بمدينة الطائف، عروس المصائف، يدل دلالة لا لبس فيها إلى العناية الكبيرة التي توليها القيادة بالأدب والثقافة، بوصفها مكونًا أساسيًّا وجوهريًّا في حضارة الأمم. كما أنها تشير بوضوح إلى مكانة وطننا العزيز من واقع أنه منبع للحضارة، وموئل للثقافة قديمًا وحديثًا. ولسنا هنا بصدد الحديث عمّا دار في موسم هذا العام من فعاليات حملت صفات الجدة والحداثة والتنوّع المطلوبة في كل عمل، خروجًا به من ربقة الروتين والتكرار، لكن أشد ما لفت انتباهي، واسترعى التفاتي تلك الدعوة التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير خالد، عقب انتهاء دورة هذا العام، مطالبًا فيها كافة المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي والفكري تقديم مقترحاتهم ومرئياتهم من أجل تطوير فعاليات سوق عكاظ في مواسمه المقبلة -بإذن الله- فهذه الدعوة لا شك تمشي بعكس ما يذهب إليه المثل القائل «ليس في الإبداع أحسن ممّا كان»، وكأنها تستبطن في جوفها قراءة مغايرة للمثل بحيث يصير «إن في الإمكان أبدع مما كان»، وعلى هذا الأساس يبقى لزامًا على كافة المثقفين والأدباء والمفكرين أن يُعمِلوا قرائحهم، ويشحذوا هممهم بحثًا عن مقترحات بنّاءة ومضيئة تسهم في إبقاء شعلة هذا المهرجان والمحفل الكبير متقدة ومشتعلة بضوء الأدب والإبداع. ومن هذه الزاوية فقد عنت لي جملة من المقترحات، أرى فيها جديدًا يمكن أن يطرح على طاولة النقاش، إسهامًا مني في تطوير السوق، وتتمثل هذه المقترحات فيما يلي: * مع تسليمي بحكمة القائمين على أمر السوق فيما يخص مواقيت انعقاده، إلاّ أنني أرى أنّ التوقيت الحالي يحرم كثيرًا من الجهات الراغبة في المشاركة ومتابعة الفعاليات من ذلك، فلو أنّ فعاليات السوق نظّمت بحيث تصادف الإجازة الصيفية، فإنّ ذلك من شأنه أن يمنح الأسر فرصة الحضور والمتابعة، آخذين في الاعتبار أن الطائف هي مقصد السائحين في هذه الفترة المشار إليها، وبذلك يتحقق للسوق الحضور المطلوب. * كذلك أقترح أن تشهد كافة مناطق ومدن المملكة فعاليات مماثلة ومتزامنة باسم سوق عكاظ، على أن يكون نشاطها الختامي في الليلة الأخيرة من الفعاليات بأرض السوق نفسه، فبذلك نضمن للسوق صيتًا ومشاركة في كافة ربوع الوطن الغالي. * ويتبع ذلك أن تشهد دور التعليمية بمختلف مراحلها نوعًا من التنوير والتعريف بما يتم من فعاليات في سوق عكاظ، ربطًا بين شريحة مستنيرة من مجتمعنا والفعاليات المقامة في السوق. * كذلك أرى في خروج الشعراء والخطباء من القاعات والمسارح المغلقة إلى الفضاء الخارجي من أرض جادة السوق صورة تعيد إلى الأذهان ما كان عليه الشعر في عهد السوق القديم، بحيث يكون الشاعر في حالة تواصل مع الجمهور مباشرة، ودون تقديم، التماسًا لشيوع المثاقفة، وبسط الإبداع في الفضاء الرحب. * وفي سبيل توسيع مظلة المشاركة الخارجية أرى ضرورة تفعيل دور الملحقيات الثقافية في كافة سفارات البلدان المعتمدة في مملكتنا، فإن ذلك يتماشى مع عصر العولمة، فعبر هذه الملحقيات الثقافية نستطيع أن نقف في فعاليات السوق على الوجه الثقافي لتلك البلدان، كما أنه بمقدورهم أن يتعرفوا على ثقافتنا جاعلين من الترجمة جسرًا يربط بين الثقافات المتعددة. * وقريبًا من ذلك وددت لو أن برنامج سوق عكاظ في مواسمه المقبلة خصص يومًا أو أمسيات لشعراء بلغات أخرى غير العربية، فإن ذلك من سيكسب فعاليات السوق بعدًا عالميًّا هي أحوج ما تكون إليه في زمن باتت المسافات فيه قريبة، والثقافات عابرة للحدود. * وخاتمة المقترحات التي عنت لي، أن يتم نشر هذه الفعاليات كافة في أوسع نطاق ممكن، عبر وسائط التسجيل والتوثيق المتاحة والممكنة، من كتب وأفلام وأشرطة وأسطوانات مدمجة، تحمل في جوفها كل من تم من فعاليات ونشاطات في أيام السوق وأمسياته ولياليه. سائلاً الله للجميع التوفيق والسداد، آملاً لسوق عكاظ مزيدًا من النجاح والتفوق في كل موسم من مواسمه المقبلة بكل الخير والبشر والإبداع المشرق، وحقًّا: الإشراق منبعه الطائف.