الجمل لايموت من العطش فهو يكابر .ويتحمل ..ويرتدي قناع الصبر . ويدفن عطشه القديم ليمضي وقد مارس الكذب ألف مرة : أنا الجمل .. سيد الصابرين وسفينة الصحراء .. خُلقتُ للعطش .. للسنين العجاف صدّق الكذبة وظل يحفر بخفه العريض وشماً غائراً على وجه بساط الرمل المضطجع بلا نهاية .. كان يبدو مهيباً فخماً كملوك الارض .. غامضاً ككل الأساطير .. هذا عن الخارج .. أما في داخله فقد كان العطش ينهشه بلا رحمة .تخيل جرعة ماء .. زين له الوهم واحةً هادئة مترعة ببحيرة عذبة المذاق تنحني عليها بضع نخلات مكابرات,, أشعر بالعار .. ها أنا أقع ضحية للسراب الخادع .. لستُ جملاً أصيلاً .. يخامرني الآن شك في نقاء سلالتي .. ربما ولدت من رحم ناقة سيئة السمعة .. قاتل الله سوء الظن .استبد به العطش ومدت له الصحراء لساناً من نار : لستِ أماً لأحد أيتها القطعة من جحيم .. ألا تقول الروايات إني ابنك ؟ .. سفينتك ؟ أتبخل الأم على جنينها بقطرة ماء ؟ عجز عن المسير .. توقف .. جال بعينيه الحزينتين في الفضاء الساكن .. اربعون يوما كاملة مرت دون أن يشرب .. دون أن يشرق بالماء الزلال .. دون أن يغوص برأسه العجيب مستشعراً برودة الماء العذب فللماء العذب برودته المميزة .. إنه يحتويك .. يحضنك ويقبل روحك بحنان تعجز عنه أطيب الأمهات .. عندما تستنجد به من وهج الرمال الملتهبة فانه يتحسسك بأنامله الرطبة .. يسقيك من بدنه الرقراق .. يبعث فيك حياةً جديدة .. لكنه يتركك بعد ذلك مذعناً لقانون الصحراء الصارم العطش أزل والارتواء عبور .. .. لتسقط نواميسك أيتها الصحراء . رغم كل هذه المظاهرة الإعلامية الصاخبة سقط الجمل .. كان العطش يقتله .. حتى إنه صار يرى كل ما حوله غائماً رمادياً .. تطلع إلى الأعلى .. كانت الشمس قد تربعت على عرشٍ لا تراه الجمال في العادة .. كانت قد توهجت امتلأت بالنار حتى التخمة حتى إنها اقتربت من الأرض مستعرضةً جبروتها لبعض الوقت ,عندها أدرك الجمل كل شئ : هي إذن مؤامرة .. مكيدة .. الصحراء تمد يدها للشمس لكي تموت الجمال المكابرة .. فقط لو يسمح الماء .. لو يمد لي يده .تخلى عن أمنيته الساذجة ليواجه السراب الذي تراقص أمامه معلناً عن اقتراب النهاية .. أدرك أن الأمر قد انقضى عندما سكت كل شيء ..جاء الحادي وأعلن صوت القلم لأمير الحق والشعر انهمار رذاذ الحل بحروف من مطر كي يقضي على وعود لا تنتهي ورغم مرور قرابة السنتين من التوجيه السليم لإيصال عذب النقاء وصفاء الماء لأهالي جنوبالطائف ألا إن هناك من لا يأبه بعطش البشر حتى يهتم بموت الجمل قد يكون لمن هم خلف المكيفات والمكاتب الفاره يدا في غضب الآلاف من الجمال اقصد البشر بالطائف ومحافظاته ومراكزه الذين يحلمون بانتهاء قصة الجمل ,, فإما يثبت القلم في التصدي للمتلاعبين بالحياة أو ليموت الجمل وقد ورث خلفه قصة عطش تتناقلها الأجيال والأحفاد بجوار شجرة ماتت أوراقها وظلها وستبقى صامدة لتسمع أحجية الزمن القادم ,,,,, [email protected]