لن تخسر شيئا في غيابك عن الطائف سوى هوائها البارد العليل! لن تأخذك الحسرة كما يحدث حين تكبر وتتغير المدن التي تعشقها وأنت بعيد عنها، لأنك ستعود إلى الطائف بعد سنوات وستجدها كما تركتها! ** «عروس المصايف» توقف بها الزمن عند حقبة غابرة، رحل معظم صناعها، ولم يبق منها سوى بقايا صوت الأرض وصداه يبتعد ويقترب مترنما ب «يا سقا الله ليلة بك عرفتنا .. في شعيب شهار عن غيرك سلينا»، وقتها كانت الطائف مبتغى السمار، ومنتهى أماني عشاق الأسفار، الذين أغراهم أبو بكر سالم بلفقيه ب «يا مسافر على الطايف» فسلكوا طريق الهدا، باحثين عن طيور طالما شاركها أبو أصيل «شدوها بلحن الهدا!». ** منذ ذلك الزمن وعروس المصائف ك «المعلقة»، بعد أن أضاعت «عريسها» وعطل عرسها، فهجرها الزوار، وانفض من حولها السمار! حتى وإن حاول عبدالله رشاد إقناعنا أنها ما زالت «حلوة» حين غنى لها قبل سنوات «الطايف أحلى!».. لم يصدقه أحد، والدليل أن أغنيته تكاد تندثر، تماما كما هو! ** من يزور «عروس المصايف» اليوم يشفق عليها، فقد كبرت، وشاخت، وبهتت الحناء في كفوفها، وشقت السنون الأخاديد في وجهها! حتى المطر لم يعد يغريها لأن تغتسل تحته بفرح وزهو كما كانت تفعل أيام الصبا، فقد أصبح يشوه ما بقي من جمالها، ويعمق أخاديدها، بل وصل الأمر إلى أنها صارت تخافه، لأنها تخشى أن يغرقها! ** الطائف هذه المدينة الأصيلة العريقة تتوافر على مقومات سياحية لم تجد من يحسن استغلالها، رغم أن بعض هذه المقومات بنى صناعة سياحية هائلة في دول عربية قريبة تقوم على السائح السعودي، وكم ننتظر ذلك اليوم الذي تتجاوز فيه «عروس المصائف» المفهوم العتيق الذي يختزل السياحة في جلسة برية في الهواء الطلق و «زمزميتين شاهي وقهوة»، وفي المساء يفلت الأطفال في «الملاهي» حد الملل! ** السياحة ليست مدينة ألعاب متهالكة، وجلسات مرصوفة بلا مبالاة على قارعة الطريق تحفها المخلفات، والباعة المتجولون! لا، السياحة صناعة، وثقافة، في مدن ودودة، متجددة، حيوية، مغرية، جاذبة، متميزة بخدماتها ومرافقها وشوارعها وأهلها وفعالياتها!