إضافة إلى ما تكشفه تقارير ديوان المراقبة العامة من أخطاء في الأداء الحكومي خاصة ما يتعلق منها بالإنفاق والمشاريع، تطالعنا أخبار بين يوم وآخر عن ضبط مخالفات أو انحرافات يسميها ديوان المراقبة العامة بمسمياتها ،لكننا درجنا على ترديد مسمى (الفساد) وأيا كان مستوى وطبيعة هذه الأخطاء فإن التعامل مع حجمها يجب أن يكون في حدوده دون تعميم أو تضخيم في النقد وفوضى الطروحات والتعليقات الاليكترونية وكأننا نعاني فسادا مستشريا، فالشفافية مبدأ عظيم يستهدف ترسيخ النزاهة ،لكنه يستلزم في المقابل قدرا كبيرا من الموضوعية دون تعبيرات فضفاضة تشوه كل شيء. هنا أود الإشارة إلى قضية تعثر المشاريع الحكومية وضعف الجودة في التنفيذ، وهو ما أشارت إليه التقارير المتعاقبة لديوان المراقبة ، والإنفاق بطرق مخالفة وما يؤدي ذلك إلى إهدار في المال العام يكلف الدولة مليارات.ومن هذه الملاحظات ما كشف عنه معالي رئيس ديوان المراقبة قبل أيام في الندوة السنوية السابعة عن «أسباب تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية وسبل معالجتها» عن وجود 3986 مشروعا بقيمة 6 مليارات ريال، وأشار إلى وجود عشرة أسباب لتعثر المشاريع لا يتسع المجال لتفصيلها هنا ولكن أبرزها (ضعف التخطيط في مراحل إعداد دراسات الجدوى والتصاميم الهندسية والشروط والمواصفات الفنية ،وضعف الرقابة الداخلية والمتابعة ،وعدم توفر المقاولين المؤهلين فنيا وماليا وبشريا، والإفراط في التعاقد من الباطن دون ضوابط فنية وقانونية كافية، وما تشهده بعض المشاريع من تغييرات في المكان والتصاميم مما يعطلها ويخل بمواصفاتها. حقيقة هل تعثر هذا العدد من المشاريع يلفت اهتمام الوزارات المعنية بها أم لا حياة لمن تنادي ؟ ألا يحتاج إلى مراجعة من الوزارات لأداء أجهزتها المعنية بالتخطيط والإشراف والمتابعة والتدقيق ، رغم ما يبدو في بعضها من تضخم إداري يدعو إلى إعادة هيكلة حقيقية.ولماذا لا يتم التنسيق بين الجهات المشاركة وتحت جهة مؤهلة لها صلاحيات المتابعة والاستلام حتى لا يتفرق دم المشاريع. إن إهدار مثل هذه المشاريع المعتمدة يحرم التنمية والمواطنين من إضافات وإنجازات مهمة نتيجة الخلل في أكثر من مرحلة رغم الاعتمادات السخية التي تحرص عليها القيادة وتوجه بها، وفوق ذلك اعتمادات إضافية لسرعة إنجاز ما ترتئيه الدولة من مشاريع عاجلة أو طارئة أو الدعم الإضافي لقطاعات حيوية ،وقد شدد خادم الحرمين الشريفين على الوزراء والمسؤولين بأنه لا عذر لأحد في تأخير المشاريع وعدم الإنجاز بعد أن توفر كل الدعم لها، فكيف يتراكم مثل هذا العدد من المشاريع المتعثرة، ناهيك عن أخطاء وانحرافات إنفاق البنود في غير ما خصص لها ،ومن شأن عدم الالتزام بالخطط الزمنية والمواصفات ودقة التكلفة إضعاف نتائج اعتمادات الميزانية العامة التي استهدفتها بالكامل وبدقة. لا ندري هل تدرس الوزارات وأجهزتها خلاصة وتوصيات تقارير ديوان المراقبة وملاحظاته المتكررة؟ وكيف تتعامل معها وإلى أي درجة تعالج ما يخصها؟ بصراحة لا نعرف أي إجابة على مثل هكذا تساؤلات، ولكن الخبر اليقين عند الوزارات نفسها ونتمنى ألا ينحصر التعاطي مع تقارير المراقبة العامة في إجراءات شكلية في الأجهزة التنفيذية أو مجرد نقاشات في مجلس الشورى ، وإنما خطط ذات ضوابط محددة ومقترنة بمستوى تقييم حقيقي للوزارات في أداء خطط الدولة وأهداف الميزانية وبنودها ويحاسب المقصرون . للأسف لم نستمع من وزارة عن طبيعة مشاريعها المتعثرة ولماذا تعثرت؟وماذا اتخذت من إجراءات، وما الضمانات لعدم تكرار فشل تنفيذ المشاريع وضعف جودة تنفيذها بالمواصفات المطلوبة ،تلافيا لخسائر وإهدار الأموال العامة جراء إعادة إصلاح أخطاء التنفيذ ،خاصة وأن بعضها يتم تسليمه بمواصفات ناقصة أو بشروط غير مكتملة كالأنفاق الأرضية التي تم استلامها دون وجود شبكة تصريف مياه الأمطار وهذا على سبيل المثال وليس الحصر. إن تشخيص الداء لا بد وله من دواء ،ودون ذلك ستظل الميزانية تتحمل مبالغ هائلة دون النتائج المرجوة .وهنا تأتي أهمية تطبيق الأساليب الرقابية ذات التقنيات الحديثة ، مثل ربط الوزارات إلكترونيا بمنظومة الرقابة على أموال الدولة وطرق إنفاقها، وتكامل الجهات الرقابية ودعم إمكاناتها البشرية والفنية والقانونية ،مما سيسهم كثيرا في الكشف المبكر عن القصور والتراخي أو التلاعب وغير ذلك مما يتعارض مع الشفافية ويقوض النزاهة.