غرفة أبها تطلق مبادرة عيادات الأعمال الاستشارية بمجموعة خدمات متعددة    السعودية تدفع بالطائرة الإغاثية ال5 لمساعدة سورية    البيرو.. سقوط حافلة من ارتفاع 150 متراً ومقتل 6 أشخاص    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    إيران.. استخراج 100 عبوة مخدرة من معدة شاب    مايكروسوفت تعتزم إنفاق 80 مليار دولار أمريكي على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في السنة المالية 2025    بعد انتشاره في الصين ..مختصون يوضحون ماهية فيروس HMPV ومدى خطورته    مصرع ستة أشخاص وإصابة 32 آخرين بحادث سقوط حافلة في بيرو    طقس شديد البرودة مع تكوّن الصقيع على عدد من مناطق المملكة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    ترامب يشتكي من تنكيس الأعلام في يوم تنصيبه    افتتاح طريق التوحيد بمنطقة عسير    «ظفار» احتضنهما.. والنهائي يفرقهما    عُمان أمام البحرين.. دوماً في أمان    وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الدعوة يزور فرع الوزارة في جازان ويتابع سير العمل فيه    ميلان يقلب الطاولة على يوفنتوس ويتأهل لنهائي السوبر الإيطالي    ريال مدريد ينتفض في الوقت الضائع ويهزم فالنسيا ب 10 لاعبين    جمعية التنمية الأسرية تعرض خدمات مركز الأنس بصبيا    حازم الجعفري يحتفل بزواجه    الأرصاد: حالة مطرية بين المتوسطة والغزيرة على مناطق المملكة    أمير عسير يستقبل رئيس جمهورية التشيك في بيشة    غرفة جازان ومركز الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني يعززان شراكتهما لدعم التنمية الإعلامية في المنطقة    وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الدعوة يزور مسجدي التابوت والنجدي الأثريين بجزر فرسان    مدير الأمر بالمعروف يزور مدير فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    الشرع يبحث مع ميقاتي العلاقات بين سوريا ولبنان    الأخضر السعودي تحت 20 عاماً يكسب أوزباكستان وديّاً    حرس الحدود يحبط تهريب (56) كجم "حشيش" و(9400) قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    موقف الهلال من قيد نيمار محليًا    العُلا تستضيف نخبة نجوم لعبة «البولو»    انطلاق ملتقى الشعر السادس بأدبي جازان الخميس القادم    القيادة تعزي الرئيس الأمريكي في ضحايا الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيو أورليانز    خطيب المسجد النبوي: نعم الله تدفع للحب والتقصير يحفز على التوبة فتتحقق العبودية الكاملة    «الجمارك» تُحبط 3 محاولات لتهريب أكثر من 220 ألف حبة محظورة    مظلات الشحناء والتلاسن    الكلية الأمنية تنظّم مشروع «السير الطويل» بمعهد التدريب النسائي    دول الخليج.. حرص على بناء سورية الجديدة    كيف تتجنب ويلات الاحتراق النفسي وتهرب من دوامة الإرهاق؟    لتعزيز سعادتك وتحسين صحتك.. اعمل من المنزل    كيف ستنعكس تعديلات أسعار اللقيم والوقود على الشركات المدرجة؟    ذلك اليوم.. تلك السنة    الغضراف    خشونة الركبة.. إحدى أكثر الحالات شيوعاً لدى البالغين    سوق العمل السعودي الأكثر جاذبية    عام جديد بروح متجددة وخطط عميقة لتحقيق النجاح    محمد الفنتوخ.. الهمّة والقناعة    الصراعات الممتدة حول العالم.. أزمات بلا حلول دائمة    عبير أبو سليمان سفيرة التراث السعودي وقصة نجاح بدأت من جدة التاريخية    ابتسم أو برطم!    1.3 مليون خدمة توثيقية.. عدالة رقمية تصنع الفارق    عام الأرقام والتحولات الكبيرة السياسة الأمريكية في 2024    سُلْطةُ الحُبِّ لا تسلّط الحرب    لماذا لا تزال الكثيرات تعيسات؟    السعودية تأسف لحادثة إطلاق النار التي وقعت في مدينة سيتينيي بالجبل الأسود    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    أمين الرياض يطلق مشروعات تنموية في الدلم والحوطة والحريق    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفاء مقابل الخيانة في رواية «جانجي» لطاهر الزهراني
نشر في الشرق يوم 14 - 11 - 2013


طاهر الزهراني
شجاعة أدبية كبيرة هذه التي يتحلى بها طاهر الزهراني عندما يكتب رواية مثل «جانجي»، في زمن يعتبر مجرد التعاطف مع العرب الأفغان بعد نوفمبر 2001 مظنة للشك والاتهام وربما تقود إلى السجن، فكيف بالكتابة عن مجزرة قلعة جانجي الشهيرة، وإدانتها، والانحياز للضحايا، ثم تتجلى الشجاعة بمراسلة أحد معتقلي سجن غوانتامو بمشاعر دافئة وحب كبير، لتؤكد رفض الكاتب لكل ما يجري، صارخاً بأعلى صوته: لن نكون لكم عبيداً، ولن نخضع لأوامركم وتصوراتكم ومخططاتكم القذرة، فلكم دينكم ولي دين. تتلخص الرواية في قصة شابين صديقين من مدينة جدة، أحدهما فقير أديب، والثاني غني مترف، حيث تستعرض بعض جوانب حياتهما في جدة. وفجأة يكتشف الراوي سفر صديقه خالد القرشي الغني إلى أفغانستان مقاتلاً مع طالبان. وبعد تفجيرات نوفمير 2001، والغزو الأمريكي لأفغانستان، تبدأ مرحلة مطاردة الشباب العرب هناك وقتلهم أو اعتقالهم. وبعد رحلة شاقة بين الجبال والوديان ومعاناة البرد الشديد والعطش والجوع، والانتقال من مكان إلى آخر، يصل الشباب إلى مدينة مزار شريف التي تقع تحت سيطرة رستم، حيث تم الاتفاق بين الطرفين على دخولهم المدينة ومن ثم مغادرتها إلى خارج أفغانستان. وفي مزار شريف ينكث رستم عهده، وينقض ميثاقه، ويعتقل الشباب العرب وعددهم 523 في قلعة جانجي، حيث تحدث عدة معارك بين الطرفين، ومن ثم حصارهم داخل القلعة وقصفهم بالطائرات الأميركية والقنابل والمدافع والغاز ومن ثم إغراق القلعة بالماء، مما يضطر الشباب أخيراً إلى الاستسلام للإبقاء على حياة البقية الباقية منهم وعددهم 42، حيث يعتقلهم الأمريكان وينقلونهم إلى سجن غوانتاموا.
الراوي، لم ينس صديقه خالد، ويبقى وفياً لعالمهم في جدة، فكان دائم التردد على أماكن لقاءاتهم وخاصة على شاطئ البحر، حيث يتعرف على «عزيزة» ابنة عم خالد، التي تسأل عنه، وبقيت وفية لحبه. وذات مساء تأتيه رسالة إلكترونية من مجهول تحمل نصاً هو «خالد القرشي»، فتكون سبباً بعد الاستعانة بأصدقاء يتقنون القرصنة الإلكترونية لمعرفة مصدر الرسالة، فإذا هي من «سارة» ابنة جارهم ضابط المباحث، وأن خالداً موجود في معسكر X في معتقل غوانتامو ضمن 157 معتقلاً سعودياً.
وعلى الرغم من ذلك، لم يتردد أن يكتب الرسالة تلو الرسالة إلى خالد يبثه حنينه وأشواقه وحبه الصادق، وألمه لمصابه، ويشحنه بطاقات للصبر والجلد، فلا بد أن تفرج الكربة، ويخرج من معتقله. وكان يرسل رسائله ورقياً من خلال مكتب البريد أو من خلال وزارة الداخلية. وذات يوم استدعي للمباحث، حيث استجوب هناك مطولاً عن أشياء كثيرة، ومنها علاقته بخالد، فلم ينكر شيئاً، فلم يكن هناك ما يخاف منه أو يخفيه. وبعد أن ينتهي التحقيق، يسلمونه مغلفاً يحتوي رسالة من خالد القرشي، يقرأها عشرات المرات، يتشمم فيها رائحه صديقه، وتبعث في نفسه الأمل بقرب الإفراج عنه. وأخيراً، أفرجت السلطات الأمريكية عن خالد ضمن مجموعة من المعتقلين السعوديين، حيث نقلوا إلى أحد سجون الرياض.
لا شك أن الرواية تستند إلى أحداث واقعية حقيقية في شقها الأول وهو مجزرة قلعة جانجي، ولا أستبعد واقعية شقها الثاني وهي الرسائل المتبادلة بين الراوي وخالد القرشي بشكل أو بآخر.
الثيمة الرئيسة في الرواية هي الصداقة والوفاء مقابل الخيانة، حيث تصور الصداقة القوية الجميلة بين الصديقين في جدة، وحزن الراوي على فراق صديقه دون أن يعلم، وأرقه الشديد وقلقه عليه وهو لا يعلم مصيره، ومن ثم لوعته وألمه العميق عندما علم أنه معتقل في سجن غوانتامو، ولم يتردد في مراسلته وهو يعلم خطورة ذلك، ومن ثم فرحه وسروره عندما علم بالإفراج عنه، ووصوله إلى أحد سجون الرياض. ومن تجليات الوفاء أن الراوي وهو أديب يكتب القصص، كتب قصة بعنوان «نيردو»، تصور رحلة خيالية، حيث استعان بقرصان بحر مشهور «جاك نيردو» لمهاجمة معتقل غوانتامو وإنقاذ صديقه خالد، ولو كلفه ذلك ملايين الدولارات.
ولا يتوقف الوفاء على الراوي فحسب، فثمة آخرون أثبتوا ذلك أيضاً، فعزيزة ابنة عم خالد بقيت تسأل عنه، وتزور الأماكن التي كان يوجد فيها، وابنة الجيران سارة التي أرسلت له رسالة مجهولة كانت بداية الخيط في الوصول إلى مكانه، وصديقتا الراوي الإلكترونيتان فات وريمان اللتان ساعدتا في التوصل إلى معلومات عن مكان وجود خالد القرشي. وفي المقابل نجد الخيانة في أبشع صورها في مزار شريف، حيث خان رستم عهده، وغدر بالشباب العرب وحاصرهم في قلعة جانجي، واستعان بالأمريكان للقضاء عليهم بعد أن قبض الثمن مرتين، ولم يستطع أن يكسر شوكتهم إلا بعد جولات عنيفة ووحشية من الحرب والتدمير والقصف واستخدام كافة الوسائل القذرة، وسلم من بقي منهم إلى الأمريكان لينقلوا أسرى إلى غوانتامو.
دور المرأة في هذه الرواية جاء جديداً، حيث ابتعد عن العري والإغراء والمشاهد الرومانسية ودغدغة الغرائز، وقدم نماذج رائعة تعلي من شأن المرأة، وتجعل لها أدواراً أنظف وأرقى وأجمل، أدواراً تليق بها كإنسان محترم شريك في الحياة. فعزيزة ابنة عم خالد القرشي لم تنسه، وبقيت تسأل عنه، ولم تخن حبه، ولم تستبدل به غيره. وسارة ابنة ضابط المباحث، حصلت على البريد الإلكتروني للراوي وأرسلت له رسالة كانت بداية الطريق لمعرفة مكان اعتقال خالد. وفات وريمان استخدمتا مهارتهما في القرصنة الإلكترونية للوصول إلى معلومات أدت إلى معرفة مكان خالد. وكل هذه الأدوار بطولية بامتياز، ولولا مساعدة المرأة، لبقي الراوي عاجزاً تائهاً حائراً. وهكذا الحياة دون امرأة تكون لك عوناً وملاذاً.
وظف الزهراني الرسائل المتبادلة بامتياز، بحيث أعادنا إلى زمن الإخوانيات، هذه الرسائل التي تفيض عاطفة وحباً وصدقاً، التي هي في حد ذاتها طاقة روحية لها دورها ووظيفتها في النفس الإنسانية، ومساعدتها على الصمود والثبات والصبر، بما تزرعه في النفس من أمل وانتظار للفرج وترقباً لغد أجمل.
ويحسب للزهراني توظيفة لتقنيات التواصل الإلكتروني وخاصة الرسائل الإلكترونية والمحادثة، مما أضفى على الرواية صبغة جميلة لمواكبتها روح العصر، وبالتالي اقترابها من النفس والواقع الذي نعيشه.
جاءت لغة الراوية بسيطة سَلِسَة بعيدة عن التقعر والتكلف، ولكنها مناسبة جداً، وتؤدي الغرض تماماً. ومن حيث الشكل فقد قسم الزهراني الرواية إلى فصول قصيرة مشوقة مثيرة، لئلا يشعر القارئ بالملل، بل تغريه بالاستمرار حتى السطر الأخير لمعرفة النهاية التي جاءت مفتوحة، ولكنها مريحة.
وبعد، فرواية «جانجي» (بيروت، رياض الريس للكتاب والنشر، ط1، 2007، 188 صفحة)، رواية جريئة، أعلت من مكانة القيم الإنسانية، ولم تنساق خلف التزييف الإعلامي، ولا غسيل الأدمغة الذي يمارس بقسوة وعناد، فجاءت صوتاً قوياً ندياً صادقاً، وسط ظلمة صحراوية قاسية. وهكذا الكاتب المستقل لا ينحاز إلا لما يؤمن به، ولا تفقده العواصف بوصلته التي يستدل بها مهما ادلهمت الخطوب، وتكاثر الأعداء، وقل الأنصار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.