يرى عدد من علماء الاجتماع أن إدارة المجتمعات الإنسانية المعاصرة يجب أن يشترك فيها ثلاث جهات كي تبلغ النجاح وهي سلطة تشريعية منتخبة، وسلطة تنفيذية تستمد شرعيتها من هذه السلطة والمجتمع المدني. فالعمل المشترك بين هذه المؤسسات الثلاث يتيح لجميع أفراد وفئات المجتمع المساهمة الفاعلة في إدارة مجتمعهم (أوطانهم)، ويؤسس السبيل لبلوغ التنمية المستدامة التي هي مبتغى جميع أعضاء المجتمع. ومن بين هذه المؤسات الثلاث يبرز المجتمع المدني بمنظماته كأكثرهم تنوعا وتجددا، فمع التتطور السريع الخطى في تقنية الاتصالات ووسائل الإعلام واتساع رقعة المستخدمين والمستفيدين من هذه المنجزات يصبح التواصل بين مختلف الأفراد ذوي الرؤى والقناعات المشتركة أكثر التصاقا وشمولية، مما يعطي للعمل المدني السلمي المجال للاتساع والنمو الأفقي ليبلغ مجالات اجتماعية وإنسانية لم تكن ضمن الأطر التقليدية لعمل المجتمع المدني، فتنشأ منظمات محلية وعالمية جديدة يوحد أعضاءها السعي نحو واقع أكثر عدلا وأنسنة وأمانا لأوطانهم وللبشرية بشكل عام. ومن ضمن منظمات المجتمع المدني المعاصرة، والقديمة في الوقت نفسه، النقابات المهنية التي عرفتها بعض الشعوب وإن كانت بتسميات مختلفة كأداة لتنظيم أعمال بعض الفئات الاجتماعية إما لحساسية العمل الذي تقوم به هذه الفئات المهنية وتأثيره على كامل المجتمع، أو نتيجة لواقع طبقي لا يُراد له أن يتغير. وقد شكلت الثورة الصناعية وما رافقها من تغييرات في أحشاء المجتمع البيئة الجديدة لظهور النقابات العمالية في أوروبا ولاحقا في أمريكا. وقد عُرفت النقابات في بعض البلدان العربية إبان العهد الاستعماري لها، ولمشاركتها في النضال الوطني من أجل الاستقلال لم تحظ بكامل الشرعية إلا بعد نيل الاستقلال والإقرار بحق جميع فئات المجتمع في تكوين نقاباتهم المهنية. وفي بلادنا وبالرغم من أن النقابات كتجمعات مهنية قد عرفت في مدن الحجاز، لكنها لم تستوف كامل الأطر السلوكية التي تجعلها تُصنف كنقابات بمفهمومها المعاصر. أما النقابات العمالية فقد كان القانون يحظر قيامها، بل ويعاقب كل من كان يسعى لتأسيسها. إلا أن اللجنة العمالية التي أسسها عمال شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في الخمسينيات من القرن الماضي قد استطاعت أن تقوم بنفس الدور الذي تقوم به أي قيادة نقابية من حيث قيادة الحراك المطلبي لعمال (أرامكو) الهادف إلى تحسين ظروف عملهم ومعيشتهم وزيادة أجورهم وإزالة مظاهر التمييز ضدهم . وكان من الممكن أن تتطور الأمور وتتحول اللجنة إلى نقابة لعمال البترول كما هو الحال في بلدان عربية مجاورة، إلا أن الظروف السياسية السائدة آنداك في المنطقة العربية قد حالت دون ذلك وأدت مع عوامل أخرى إلى تلاشيها. ومن الإنصاف القول إن عمل اللجنة العمالية وشجاعة أعضائها والتضحيات التي قدموها قد أسهمت، بشكل أو بآخر، في الوصول إلى ما يتمتع به اليوم العاملون في (أرامكو) السعودية من حقوق وامتيازات، مما يجعل اللجنة محطة مهمة في مسيرة العمل النقابي السعودي لا يمكن إلا التوقف عندها.