دخلت في الصلاة وغرقت في الذاكرة. انتهيت من الصلاة والصور ما زالت متتابعة من ذلك المريض الرشيق الذي أصيب بأم دم بطنية، فجاء إلى العمليات فكان مصيره القبر والبلى. يرحمك الله أياً كان اسمك ورسمك ورمسك. كان الزميل فرحاً بالعملية إنه مريض رشيق. إن جسمه يساعد. إنه مستعد للعملية الجراحية. حصل الأسوأ. لا يكفي أن يكون التشخيص صحيحاً، ولا الاستطباب صحيحاً! المهم أن تنتهي العملية بأمان. تقول القاعدة الطبية لا تقل عن أي عملية إنها صغيرة وبسيطة وسهلة حتى تخرج منها. لا تزال هذه الجملة ترن في ذهني من زميلي أبوحسن الذي أحضرني من مطار القصيم للالتحاق بالعمل هناك قبل عشرين عاماً. إنها حكمة بالغة فما تغني النذر. كانت الساعة الثالثة بعد الظهر والزميل ما زال في المعمعة، ولكنه مسرور أن سفينته والمريض تمشي بريح طيبة. سألت زميلي دكتور التخدير أن يسأله إن كان بحاجة لأي لون من المساعدة. الجواب بالنفي. الطبيب واثق أنه قارب نهاية العمل، بعد أن بدأ العملية في ساعة مبكرة. لا أدري، نوع من الحدس الداخلي كان يقول لي إن النهاية لن تكون ريحاً طيبة، بل ريح عاصف وموج كالجبال من كل مكان وظنوا أنه أحيط بهم. قلت وفي نفسي شيء قدمت ما عندي نسأل الله السلامة فيما تبقى. أذكر جيداً مريضتي، وهي حالة أخرى من التحدي والدكتور برهان يحيى يساعدني. بدأنا صباحاً في الساعة التاسعة وانتهينا على الساعة 11 ليلاً. دامت العملية 14 ساعة. كانت الساعة الأخيرة فيها أحلكها وأمرها. كانت الحاسمة. تماماً كما في السفن فإما رست في شاطئ رملي ناعم فألقت المرساة وارتاحت، وإما اصطدمت بالصخور المرجانية فهلكت ومن معها. قال لي الدكتور برهان بعد أن عرضت عليه الانصراف. قال: لا.. يجب أن أطمئن عليك حتى النهاية، وكان محقاً. تفاجأنا بزوبعة من انفلات الدم وسال العرق منا مدراراً، ولكن المريضة نجت من أم دم التهابي في أعظم شريان في البطن، ورجعت بالسلامة إلى بيتها. صديقنا الذي أبى المساعدة جاءته هذه اللحظة وبدأ يبحث عني. لم يكن نظام الموبايل موجوداً. ولم أكن مناوباً. وكانت لحظات الفطر في رمضان عند صديق. فشلت العملية وصدم الزميل. لقد كانت ساعة عسرة. ما زال في نفسي شيء تجاه هذه الحادثة أبوح بها للقرطاس والقلم، وأقول: ثلاث لابد منهن؛ نظام اتصال محكم. وثقة بالنفس في حدود وتواضع. فمن يرفع نفسه يضعها ومن يضع نفسه يرفعها. وتعاون في الملمات ينقذ. والحياة دروس ومواعظ. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى.