تُعد الأسواق الخليجية بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة من أنشط الأسواق حركة طوال السنة لتتابع موسم الإجازات ورمضان والأعياد التي عادة تمتد لموسم حفلات الخطوبة وعقد القران الذي يستمر للنصف الثاني من السنة إلى عودة المدارس، فتظل كثير من الأسر في حركة شرائية مستمرة إلى نهاية العام. وفي العشر سنوات الأخيرة وربما أكثر أصبحت أسواقنا المحلية من أكثر الأسواق التي يمارس فيها الغش بجميع أنواعه بشكل واسع ومبالغ به، حيث توفرت له بيئة خصبة و مهيأة لتمرير كميات مهولة من البضائع المقلدة و الرديئة حتى المسرطنة، يتم توزيعها في مهرجانات تخفيض تسويقية، يتسلل إلى بيوت الناس كثير من ملابس الأطفال والمستلزمات النسائية والقرطاسية والأحذية وأدوات المطبخ الرديئة الصنع التي سرعان ما يضطر الناس لتبديلها بأخرى في فترة زمنية بسيطة لسرعة تلفها، فيظل المواطن في حالة شراء مستمرة لأن معدل الجودة في السوق في حالة تدنٍّ مستمر، خاصة بعد أن أصبح السوق تحت سيطرة البضائع الصينية من الدرجة الثالثة التي تصنع لاستهلاك دول الخليج، التي لا يوجد مقارنة بينها وبين البضائع التي تصنع لبعض دول أوروبا وأمريكا! وعلى الرغم من أن جميع الجهات الرقابية من (وزارة التجارة وحماية المستهلك والجودة والنوعية)، تعرف جيداً أن تلك البضائع سيئة وخطرة وتصنع من مواد محظورة دولياً وممنوع دخولها إلى المملكة، إلا أنها دخلت واستوطنت الأسواق منذ سنوات، حيث تمكن تجار تلك البضائع من توسعة تجارتهم وفتح أفرع و محلات كُبرى (لأبو ريالين وأبو عشرة) في أسواق رئيسة في جميع مناطق المملكة، أمام مرأى الجميع لترتفع القوة الشرائية لها بنسبة 40%، و لم تقتصر السلع المغشوشة والمقلدة فقط علي الملابس والأحذية والحقائب ومواد التجميل، بل تجاوزت ذلك لتشمل جميع البضائع من أثاث منزلي وألعاب و سلع دوائية و غذائية مروراً بقطع غيار السيارات والأدوات الكهربائية ومواد البناء التي مازالت إلى الآن تباع في الأسواق بأسعار خيالية، ولم يتوقف الغش عند البضائع، بل امتد إلى كثير من المقاهي و المطاعم التي كنا نعتقد بأنها راقية، حين وصل إعداد وتحضير بعض الأطباق في أحواش ومستودعات ودورات مياة قذرة غير صالحة للاستخدام البشري على أيدي عمالة لا تعترف بمصطلح النظافة، بل على استعداد للقيام بأي عمل مقابل جني مزيد من المال بأي وسيلة. ويستمر مسلسل الغش لمحلات ذات أسماء محترمة و شهيرة، معروفة بتوفر بضائعها بأسعار معقولة تتناسب مع متوسط دخل المواطنين في الدول المصنعة، مثل (أوروبا- أمريكا)، وما إن يفتح لها التاجر فروعاً في المملكة، حتي يعرضها بأسعار خيالية و مبالغ بها، حيث اعتادت تلك المحلات في بلد المنشأ على تجديد بضائعها بشكل مستمر، ووضع القديم منها في مخازن خارج الأسواق تسمى ب (اوت لت)* بربع السعر ليلتقطها (الجشع) بكميات كبيرة وبتخفيض أكبر، ويبيعها داخل أسواق المملكة بثلاثة أضعاف سعرها، ولو كان هناك فعلاً رصد ومراقبة من وزارة التجارة، أو حماية المستهلك لتم اكتشاف ذلك بسهولة في كل مجمع تسويقي في البلد. ويمارس أيضاً تجَّار الأحذية نوعاً آخر من الغش التجاري، فعلي سبيل المثال حين تشتري حذاء جيداً بمبلغ متوسط، تُمنح جميع ملحقاته الدعائية من أربطة إضافية وأدوات تنظيف أو تلميع، وتمنحك أيضاً سياسة ما بعد البيع حق إعادة الحذاء في حالة سبَّب لك أو لأحد أصابع قدمك ازعاجاً أو ألماً بعد ارتدائه، لتحصل على اعتذار رسمي يصل للشركة المُصنعة لتلافي ذلك الخلل في المستقبل، فيكون لك الحق في اختيار التعويض بحذاء آخر أو استرجاع نقودك، بينما تجد فرعاً للمحل نفسه في بلدك يُصادر ملحقات حذائك ويبيعها لك مرة أخرى على أساس أنها بضاعة منفصلة، في استهتار واستغلال بعقلك ومالك وحقك، ولا تفكر أبداً في أنهم يكترثون براحة قدمك مثلاً، فلا حق لك في إعادة او استبدال الحذاء حتى لو تسبب لك في غرغرينا، لأنك بكل بساطة ارتديته، وربما هذا ما سيدفعك إلى القيام بعمليات الشراء عن طريق مواقع المحلات الأصلية على شبكة الإنترنت لتضمن حصولك على حقك التي تضمنه لك سياسة ما بعد البيع التي تحترم الزبون. البضائع المغشوشة والرخيصة، وسياسات البيع وما بعده هو تحدٍّ من نوع آخر يخفي وراءه كثيراً من الانتهاكات والمخالفات التي يقوم بها كبار التجار وصغارهم في الأسواق من أجل الكسب المستمر و السريع علي حساب الفرد منا، ليزداد عدد الوحوش التي تنهش المواطن وتقتات على حسابه، فهاهو آخر يلتهم مستوى الجودة من حياتنا ويغتال الرقي من أسواقنا المحلية بشكل فظيع، ويبقى على الجهات الرقابية الآن القيام بواجبها وبذل مجهودات أكثر صرامة لوقف مسلسل الغش من التغلغل في حياتنا بعد الآن. *(Outlet)