الذئب الهيجلي المعلوماتي ثالث ذئب يهدد المفكر الناشئ كما يرى المفكر الدكتور عبدالوهاب المسيري وهو أكثر خطورة وضراوة من ذئبي الثروة والشهرة اللذين ذكرناهما في المقالتين السابقتين لأنه ذئب داخلي وخفي. وأهم مظاهر هذا الذئب رغبة المثقف أو المفكر في حيازة معلومات أكثر وأشمل وأكثر تفصيلاً ورغبته في الجمع النظري بين التعميم والتخصيص مع استحالة ذلك (لأنه كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة)، ورغبته العارمة في حيازة كتب ومعلومات كثيرة. وقراءة كل شيء وتعلم لغات كثيرة. وإذا ما أراد المفكر تأليف كتاب نجده يؤخر إخراجه وطباعته باستمرار بحجة مراجعته وتقييمه وأخذ آراء الآخرين حتى يكون كتاباً رائعاً وغير مسبوق. هذا التحليق البانورامي ليس دائماً صفة إيجابية للمفكر والمفترض منه أن يقبل بفكرة الإنجاز القليل والمتدرج لأن المعرفة لا حدود لها، والذي يحتم عليه التوقف عند نقطة ما «لو قرأت كل ما كتب عن موضوع تخصصي من مقالات ورسائل دكتوراة وكتب لقضيت سحابة أيامي أقرأ وأستوعب دون أن أنتج شيئاً». ويصاب بعض المفكرين بداء جمع الكتب «الببليومانيا» وتخزين الجرائد والقصاصات، ونجد كتبه تملأ مكتبه وصالة بيته وسيارته، وعنده نسخ مكررة منها، ولا يقبل إعارتها ناهيك عن بيعها وقت الحاجة. الاعتقاد بإمكانية تحقيق كل الأمنيات والتحليق البانورامي أمر خاطئ لأنه من شبه المستحيل أن تكون خطط أحدنا الطموحة مطابقة للواقع وتم تحقيقها بالفعل، لأن الوقت لا يتسع لتحقيق كل الأمنيات وأي خطة مهما بلغت جودتها تحتاج إلى حذف وإضافة مستمرين. حتى يمكن للمفكر التغلب على هذا الذئب يحتاج إلى حشد إمكانياته الذهنية والمادية في مجالات محددة ليتحقق لها التراكم المعرفي اللازم في مجال محدد يمكن أن يكون أنموذجاً يستفاد منه في مجالات أخرى كما فعل الدكتور المسيري الذي كرّس حياته لموسوعته المشهورة التي استنبط منها نماذج فكرية عديدة يمكن إسقاطها في مجالات أخرى مثل مفاهيم الدولة الوظيفية والتسليع والداروينية ونماذج التفكير.