موضوع السماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة موضوع قديم ومؤرق، وأصبح علامة سعودية فارقة تتميز بها عن كل أمم وشعوب الأرض. إنه لمن الخطأ عندما يظن معارضو قيادة المرأة أن مثل هذا الموضوع، الذي جذره اجتماعي بالأساس وأبعاده سياسية واقتصادية ودينية، سوف يتلاشى مع مرور الوقت وتقادم الزمن. بل العكس هو الصحيح؛ إذ إن عنصر الزمن في هذا الموضوع أضحى هو العامل الأبرز المحرك والمنشط له ولو على فترات متباعدة. ففي كل مطالبة يزداد عدد المشاركين المنادين بقيادة المرأة والموافقين عليها وينقص عدد المعارضين لها. وهذا يعني أن هناك تصاعداً وتقارباً في عدد المطالبات مع مرور الوقت. وهذا مؤشر لا يجب إهماله عند تناول هذه القضية. قرار السماح للمرأة بالقيادة هو قرار تمتلكه الحكومة فقط، ولن يصدر من غيرها، ويبدو أنها لا تزال متمسكة بألا تبدو أنها تخضع لأي نوع من الضغوط وتتماهى بسرعة مع المطالبات الاجتماعية أياً كان نوعها ومن أي فريق أتت، ومهما كانت مبرراتها. للحكومة نظرتها وفهمها الخاص لمجرى الأمور في المجتمع السعودي، ولها حساباتها واستراتيجياتها. لذلك يجب علينا أن نستبعد أنها راضخة لبعض دعاوى المتشددين المحسوبين على التيار الديني من المعارضين لقيادة المرأة السيارة. أو أن نظن أنها في حاجة لضوء أخضر من طرف ما. فلقد أثبتت الحكومة وفي وقائع كثيرة أنها لن تسمح لأي مؤسسة أو طرف بأن يناكف الحكومة في عملها أو يقدم عليها إملاءات معينة أو يحاول أن يحمل المجتمع بكامله على حسب ما يرى هو من سياسات وأفكار. هذا الموقف الحكومي الحازم معروف لدى الجميع قاصياً كان أو دانياً. وما لفت انتباهي في المطالبات الأخيرة لقيادة المرأة السيارة هو التعامل الإيجابي والسلمي لوزارة الداخلية مع الموضوع. ووجهت كما تفيد التقارير بألا يكون هناك مطاردات أو اعتقالات أو أي صورة من صور العنف ضد السائقات. وهذا قد يفهم بشكل متفائل بأن هناك تفهماً حكومياً أكثر مما مضى تجاه المطالب بقيادة المرأة السيارة. تصطدم حماسة السيدات والرجال الداعمين لحق المرأة بقيادة السيارة في المملكة، بحماسة شديدة من قبل العناصر المحسوبين على التيار الديني، المعارضين لقيادة المرأة السيارة بالكلية. وأظهروا تحركاً جماعياً كبيراً ومنظماً وعلى كافة الأصعدة لتحذير المجتمع السعودي من هذه الدعاوى. واستغلوا جميع الوسائل المتاحة لهم بالذات منابر الجوامع ووسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص الواتساب لإيصال رسالتهم. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا هذا الحماس الشديد من قبل بعض الإسلاميين للاستمرار في منع المرأة من القيادة في المملكة؟ هناك أسباب كثيرة لهذا النوع من التمنع، لكن أعتقد أن بعضهم ينطلق -مع احترامي الشديد- من سذاجة فكرية في طرق استنباط الأحكام وخطأ في استقراء الواقع، وبالتالي يصلون لنتائج مغلوطة ويتحمسون لها ظناً منهم أنهم يطبقون كلمة الله -عز وجل- في أرضه ويدافعون عن شرعه ومبادئه. رغم أنه من المعلوم عدم وجود نص أبداً في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة ما يمنع من قيادة المرأة السيارة، لكنهم يستخدمون قواعد أخرى فضفاضة وحمالة أوجه وذاتية المصدر والتفسير والنتيجة؛ ليحكموا على أمور مؤثرة في حياة الناس ومعاشهم. مثل نظرية سد باب الذرائع، ونظرية دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، وأن دفع المضار خيرٌ من جلب المنافع. وفهمهم الناقص والمغلوط لهذه النظريات أوقعهم من حيث لا يشعرون في ثنائية وازدواجية غير عملية في حكمهم على الأشياء، وهي: أن الأمور إما يجب أن تفضي إلى خير عميم وإلا فهي شر بغيض. وأثبتت التجارب منذ توحيد المملكة أنهم عقبة في كل تطور بمعارضتهم لتعليم المرأة والتلفاز والقطارات والاتصالات والتصوير والقنوات الفضائية والإنترنت وغيرها كثيراً. ورغم أنه يتكشف لهم ولغيرهم بأنهم كانوا على خطأ في منهجهم الفكري. إلا أنهم يعاودون استخدام نفس المنهج في كل كرة جديدة! وكأنهم لا يتعلمون من أخطائهم. فالسذاجة كما يقول النفسانيون هي: أن تعمل نفس الأشياء بنفس الطرق، ومن ثم تتوقع نتائج مختلفة. والمضحك أنهم يضحكون من أنفسهم على أخطائهم القديمة ثم يتمترسون أمام الآخرين ويرمونهم بالعمالة والتغريب وحب إشاعة الفاحشة بين المؤمنين. من جانب آخر، يبدو لي أن أصحاب هذا التيار لا شعورياً يشعرون بأنهم في معركة، ضد تيار ليبرالي له قوى متعددة في كل مكان من الدولة والإعلام. وعليه فإن قضية المرأة بالنسبة لهم هي القضية الأخيرة التي عليهم ألا يخسروها أمام مناوئيهم. رغم أنهم يعلمون أن هناك من علماء المسلمين المعتبرين يوافقون على قيادة المرأة السيارة، إلا أنهم يأبون إلا أن يتعاملوا معها من باب أنها عنزة ولو طارت. وفي نفس الوقت يتجاهلون كل المصائب التي يعانيها مجتمعنا السعودي بسبب عدم قيادة المرأة السيارة. سيأتي يوم ما -والله أعلم- تقود فيه المرأة السيارة، وسوف نضحك على الأوقات التي ضيعناها في نقاش هذا الموضوع البسيط. وأفضل حل في هذا الموضوع هو جعل الاختيار للمجتمع، فمن أراد أن يسمح لبنته أو زوجته في القيادة فلا بأس، ومن لم يرد فهو حر أيضاً. ومع القيام ببعض التغييرات المرورية ستكون شوارعنا أكثر أماناً لتقود فيها المرأة إلى جانب الرجل.