في عام 1944م استطاع الكندي (أوسوالد أفيري OSWALD AVERY) أن يغطس أكثر إلى عمق أوقيانوس المادة الوراثية فاكتشف أنها مادة حمضية من أربعة أحماض فقط مجتمعة على نسق مجهول؟ ولكن هل الأحماض (الأدينين والسيتوزين والثيمين والجوانين) مرصوفة بطريقة عشوائية أو أن لها نسقاً ما؟ وإذا كان فما هو تحديداً؟ وللإجابة على هذا السؤال كانت أعمال كل من الكيميائي (أرفين شارجاف ERWIN CHARGAFF) والفيزيائي شرودنجر ERWIN SCHROEDINGER) صاحب نظرية الأمواج الكمية التي نال عليها جائزة نوبل عام 1933م الذي شغف بعلم البيولوجيا أيضاً كفيلسوف موسوعي؛ فتوصل الأول 1950م إلى أن اجتماع الأحماض يمشي على نسق (زوجي)؛ فلا يجتمع السيتوزين إلا مع الجوانين، ولا يجتمع حمض الأدينين إلا مع الثيمين، وهما قاعدة تشكيل الحامض النووي في نواة الخلية، أما شرودنجر الذي أعمل دماغه هذه المرة خارج حقل الفيزياء فقد حلم ب (شيفرة) تفاهم؛ بحيث يمكن لهذه الأحماض الأربعة أن توحي إلى الخلية بتركيب مئات التراكيب المعقدة؟ ولكن ما هي؟ ثم كيف يمكن لأربعة أحماض الإيعاز والتفاهم مع عشرين حامضاً أمينياً يسبح في دمنا بتشكيل كل تركيب أخلاط جسدنا؟ والسؤال اللاحق أين هو بالضبط مكان صناعة هذه التراكيب اللانهائية المعقدة؟ لابد إذاً من (كود) أي شيفرة تفاهم بين نواة الخلية والجسم؟ أثناء هذا استطاع الثنائي (جيمس واتسون & فرانسيس كريك) من إماطة اللثام عن تركيب كامل المادة الوراثية عند الإنسان عام 1953م، وتطلب تساؤل شرودنجر في كتابه (ما هي الحياة؟) عام 1944م حتى يجاب عليه بجلاء 21 سنة من البحث العلمي المضني عندما باحت الخلية بسرها ل (مارشال نيرنبرج) عام 1965م، وعرف أن الحياة تعمل باحتياطي مخيف؛ فمن أربعة حروف يمكن الإيعاز لتشكيل 64 حامضاً أمينياً مختلفاً، وليس العشرين في بدننا (إذا تصورت الحروف الأربعة ب ATCG فيمكن أن تكون على 64 نسقاً، وجرب ذلك بنفسك لتعرف فقد أحصيته أنا شخصياً (AAAA,ACAA,ATAA,AGAA.ACTA.) وهكذا، ومن هذه التراكيب يبنى كل جسمنا من عظم ولحم وظفر، من خلال شيفرة (تتك) على مدار الساعة، لشريط طويل يشبه سحاب البنطلون، لا يكف عن الفتح في أماكن بعينها، يسمح بأخذ «كوبي» عنه (مشفر) فيوحي بإذنه لتركيب مشابه في مصانع خاصة (الريبوسوم) في الخلية؛ حيث تتابع جمل (الخلق الإلهي) لتكوين ما يحتاجه الجسم! بقي أن نعلم أن عدد النسخ في الثانية الواحدة تبلغ 500 بليون بدون خطأ واحد!!