للوهلة الأولى تبدو المؤسسات الثقافية المحلية منابر للشيوخ وذوي التجارب المكتملة من الأدباء، بعيدة تماما عن عوالم النشء والشباب ممن يخطون خطواتهم الأولى في عالم الأدب والإبداع بكافة مجالاته، غير أن هؤلاء الشبان بدأوا يكتشفون مؤخرا الطريق إلى هذه المنابر التي قد توفر لهم كثيراً من الوقت والجهد في سعيهم الحثيث للوقوف في قلب المشهد الثقافي. وإذا كانت الأندية الأدبية قد قامت طوال تاريخها الذي يمتد لأكثر من أربعين عاما، بنشر عديد من الكتب التي يمكن تصنيفها في خانة «الإصدار الأول» للمبدعين الشباب، إلا أن هذا الدور قد اختفى منذ عدة سنوات؛ حيث اكتفت غالبية الأندية بنشر الأعمال الواردة من «الأسماء» الكبيرة والمدعومة، من دون التفكير في دعم الأسماء الشابة ممن تريد نشر عملها الإبداعي للمرة الأولى. لكن النادي الأدبي في جدة يحاول اليوم استعادة تقاليده القديمة في دعم الأسماء الإبداعية الجديدة وكتابة تاريخ ميلادها؛ انطلاقا من هذه المؤسسة الأدبية العريقة. الإصدار الأول ويقول رئيس النادي الدكتور عبدالله عويقل السلمي إن غالبية برامج النادي تتمحور حول الشباب ودعم مواهبهم الأدبية وتنميتها. ويكشف السلمي ل «الشرق» أن مشروع «الإصدار الأول» يستهدف قطاع الشباب لطباعة وتوزيع منتجاتهم الإبداعية، وأنه يشمل كافة الفنون الثقافية والأدبية والفكرية والبحثية، والتنافس عليه مفتوح أمام شباب وفتيات جدة على وجه الخصوص، مبيناً أن الكتب الخمسة الأولى سيحصل كل واحد منها على خمسة آلاف ريال، بمجموع يصل إلى 25 ألف ريال إجمالاً، وأنه سيقام حفل كبير للإعلان عن الفائزين وتوزيع الجوائز عليهم، وتنظيم ورش عمل حول هذه الكتب، وإنشاء منصة في الحفل ليقوم الفائزون بتوقيع كتبهم للراغبين في اقتنائها. الينبوع الثقافي وعندما أعلن المشرف على منتدى عبقر الشعري في أدبي جدة عبدالعزيز الشريف، عن تقديم مخطوطات أربعة دواوين شعرية لأسماء جديدة لم يسبق لها النشر وإشراكها في مشروع «الإصدار الأول»، فإنه كان يدشن لحقبة جديدة تمنح مزيداً من الأمل في الأجيال الجديدة التي تمارس حضورا هائلا في كافة الوسائط الحديثة على شبكة الإنترنت، لكنها تحتاج إلى اعتراف والتفاتة مهمة من المؤسسات الثقافية المحلية. ويأمل الشريف أن تكون هذه الخطوة بمثابة «الينبوع» الذي يتدفق بين الصخور ليعيد الصرخة إلى ما تبقى من الروح. علامات ملونة وفي ظل حالة الحياد التي يحفل بها زمننا الثقافي، الإبداعي تحديدا، وشيوع حالة الإحباط والمرارة، إلا أن ثمة علامات تفاؤل لافتة في المشهد، يقول الكاتب عبدالله الحارثي إن المتأمل في المشهد الثقافي يستطيع ملاحظة هذه العلامات الملونة في مختلف جوانب هذا المشهد. ويعتقد الحارثي أن الجيل الجديد من الكتاب، رغم بعض الاضطراب في الرؤية واللغة، إلا أنه يمنحنا مزيداً من الأمل في قدوم أجيال تتمتع بالقدرة على الكتابة الجادة والمبدعة والمنتمية إلى العصر. ويطالب الحارثي المؤسسات الثقافية بتطوير برامجها الموجهة للجمهور والعمل على استقطاب المبدعين منهم، وذلك بإسناد إدارة هذه البرامج للمبدعين أنفسهم؛ لأنهم الأقدر على صياغة مكوناتها. مخاوف المراقبين لكن ثمة مخاوف لدى كثير من المراقبين في المشهد الثقافي من أن تكون هذه البرامج والمبادرات «وقتية» ومؤقتة فحسب، بحيث تقام لمرة واحدة فقط ، ثم «تعود حليمة لعادتها القديمة»، لكن رئيس نادي جدة الأدبي ينفي مثل هذا التوجه؛ مؤكدا على أن رعاية الأجيال الجديدة من المبدعين الشباب هو توجه النادي المعلن من خلال برامجه ودوراته وورشه المختلفة التي يقوم بتنفيذها منذ نحو عامين، وأن المؤتمر الأخير لرؤساء الأندية الأدبية كان الحوار فيه منصبا نحو الاهتمام بالبرامج الموجهة للشباب، وأنه كان ثمة إشادة كبيرة بالبرامج التي ينفذها نادي جدة الأدبي في هذا السياق. المنتديات الخاصة وعندما يتعلق الأمر بالمنتديات الخاصة، فإن الدكتور عبدالمحسن القحطاني صاحب «أسبوعية القحطاني الثقافية» في جدة يؤكد أن هدفه الأول من إنشاء هذا المنتدى هو «تنوير الشباب»، وأنه يخصص جزءاً واسعاً من نشاطه المنبري لتقديم مواهبهم ودعمهم من خلال النقاشات العميقة التي تتم في داخل المنتدى. ووعد القحطاني أن تكون إصدارات الشباب في مقدمة برنامج النشر للمنتدى في حال تم إقراره خلال الفترة المقبلة.