سئل هوميروس – صاحب الإلياذة والأوديسيا – ذات يوم فهز رأسه موافقا السائل على ما اعتقده من جواب. كان الجميع حينئذ يؤمن بأن هوميروس لا يخطئ، لكن الأيام أثبتت عكس ذلك فضرب بذلك المثل وقيل: حتى هوميروس أحياناً يخطئ. وإلى فترة بسيطة كان جلنا يؤمن بأن التكنولوجيا والتقنية الحديثة لا يمكن بأي حال أن تخطئ. فقد كنا نسمع على الدوام بأن الآلة لا تشغلها هموم العيش ولا إشكالات الحياة، بل عوضا عن ذلك تحكمها المنطقية العقلية، أي أن واحد زائد واحد يساوي اثنين فقط وليس إلا. وبعدما أقر نظام ساهر للتطبيق ارتفعت عقيرة بعض السائقين مرددين بأن هناك أخطاء رصد قد طبقت بحقهم؛ فالنظام ليس وحياً إلهياً بل هناك أخطاء تقنية وأخرى بشرية تتعلق بالمشغلين للنظام. إلا أن أغلب الإجابات التي تلقفتها وسائل الإعلام سابقا عن بعض مسؤولي النظام كانت جميعها تجمع على فكرة واحدة وهي أن نظام ساهر لا يخطئ ولم يخطئ. كثرة تلك التصاريح التي كانت تنافح عن هذا النظام الآلي جعلتنا نؤمن بأن هذا النظام أيضا – وحتى في المستقبل – لن يخطئ. وكيف يخطئ وهو صنيعة الفرنجة أصحاب العقول والفكر والعمل؟! هذا الأمر جعل عديداً من المتضررين من أخطاء هذا النظام يتجهون لمجابهته بأعمال اتسمت بالعنف وبالتخريب. وصل بعضها لمحاولة الإيذاء الجسدي للقائمين على تشغيل المركبات التي تحوي هذا النظام. عمليات التخريب تلك لم ترضنا، ولا يرضى عنها عاقل، ولكننا كنا ندرك أنها عمليات تنفيس عن غضب يختمر داخل نفوس هؤلاء. فمن اكتوى من ساهر دون أن يكون على خطأ فهو لن يُكِنَّ له الحب على الدوام. مع يقيننا أيضا بأن هناك من الغاضبين والحانقين على النظام من لم يكن معهم من الحق شيئا بل كانوا يستحقون العقوبة التي أوقعها عليهم النظام جراء مخالفاتهم المرورية. بيد أنه في الأسبوع الماضي، وتحديدا في منطقة عسير، قد أصدرت هيئة الفصل في المخالفات المرورية قراراً بإلغاء 129 مخالفة مرورية التقطتها كاميرات الرصد المروري «ساهر»، وذلك بعد اعتراض أصحاب المركبات على عدم صحة هذه المخالفات التي طبقت بحقهم في العام الجاري. هذا الخبر قد كشف عنه المتحدث الرسمي لمرور منطقة عسير المقدم محمد عسيري؛ حيث أفاد بأن القرار صدر بعد أن تقدم بعض سائقي المركبات باعتراضات لإدارة مرور عسير عن عدم صحة تلك المخالفات التي ضبطتها الكاميرات، وتمت إحالة الأمر إلى هيئة الفصل في المخالفات المرورية، التي تم صدور قرارها بإلغاء 129 مخالفة تم رصدها بشكل خاطئ. إن هذا الأمر قد جرى في عسير، وهي منطقة صغيرة نسبيا، فما بالنا بالمناطق الكبرى التي يسكت غالبية ساكنيها عن الشكوى بل إنه لا يخطر ببالهم مجرد التفكير في رفع شكوى أو اعتراض ضد المخالفات التي يوقعها عليهم بالخطأ نظام الرصد المروري، وذلك اعتقادا منهم بأنه سيقال لهم: (ساهر دوما على حق). علينا جميعا – مواطنين ورجال مرور – أن ندرك جيدا أن ساهر هو مجرد نظام رصد آلي عرضة للعطب والتعليق والتلف، وذلك نتيجة لجملة عوامل لعل من أهمها أن: - كاميرات الرصد الثابتة تكون غالبا عرضة لموجات الغبار والأمطار الشديدة والعوالق. - تأثير حرارة الشمس التي تصل لدرجات عالية جداً وخاصة في فصل الصيف. - تعليق نظام أو توقف الإشارات المرورية مما يجعل تحرك السائقين يكون وفق تقدير ذاتي، ومن ثم يعرضهم لمزيد من عمليات الرصد الخاطئ والعشوائي من قبل ساهر. - الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي التي تحدث على مدار العام. - تلف بعض القطع والأجزاء الحساسة الموجودة بداخل كاميرات الرصد. - عمليات الإتلاف والتخريب التي تلحق بكاميرات الرصد مما يجعلها تعمل بشكل غير دقيق أو خاطئ. إن الحل يكمن – في نظري – في تنفيذ عمليات فحص يومي للتأكد بأن الكاميرات تعمل وفق نظام الضبط الآلي الدقيق، وأنه لم يلحق بها ضرر داخلي أو خارجي. وكذلك إجراء عمليات صيانة دورية يتم خلالها استبدال الأجزاء والقطع التالفة. وأخيرا على إدارة المرور أن تنصت عندما ترتفع عقيرة المواطن بالشكوى، وأن تدرك أن ثمة خطباً ما. فالنظام – ساهر- وجد لتسهيل الحياة ولحماية ولصالح المواطن وليس فقط لإيقاع العقوبة عليه.