التفكر عملية حياتية متتابعة مستمرة لا نستطيع إيقافها بأي شكل من الأشكال؛ حيث إن التفكير أول ركائز التغيير النابع من التفاعل والتجارب المختلفة لأي مجتمع، غير أنه – أي التغيير – يختلف بالمستوى والمقدار والفترة الزمنية؛ لأن العملية بذاتها خاضعة لظروف الأفراد والعوامل المؤثرة فيهم؛ حيث إننا لا نستطيع أن نفصل الفرد عن المجتمع أو نجرده عما ورثه من التربية والثقافة والوعي، فالتغيير يعتمد على ظروف الأفراد ومسيرتهم وتراكماتهم والترسبات التاريخية المؤثرة عليهم. إن التغيير الحقيقي يبدأ في ضخ منظومة فكرية جديدة تنطلق من قيم العلم والبحث والنقد لكل الممارسات والعادات والتقاليد التي لم تعد تتآلف مع حركة العصر المتسارعة التي تستنفرنا من أجل تجديد أفكارنا، فالمجتمعات التي تكتفي باجترار تراثها سنة بعد سنة لن تستطيع دخول مضمار الحضارة، فهذا العصر وظروف عالم اليوم لم تعد يحتمل وجود مجتمعات تتعامل مع بقية العالم من خلال ثقب إبرة، ومن خلال فكر ضيق منعزل وحيد الجانب لا يعترف إلا بذاته ويرفض بشكل تلقائي كل الآراء والأفكار الجديدة التي تعمل على إعادة تنظيم سبل حياتهم ودمجهم بشكل أكبر مع العالم حولهم، على الرغم من شعورهم العميق بالحاجة للتغيير وضرورته وحتميته نجدهم بشكل لا واعٍ يفضلون البقاء على أنظمتهم القديمة كونهم تواءموا معها سنوات عديدة، هذا التواؤم الذي خلق نوعاً من التناقض بين رغبة داخلية للتغيير وبين الخوف من تهديدات ذاك التغيير للعادات ونمط الحياة والمعتقدات الاجتماعية، مع العلم أن الدعوة للتغيير لا تعني إلغاء القديم وإنما تطويره وتحديثه، فالماضي جزء من الإرث الحضاري لأي مجتمع، والتغيير المطلوب هو استثمار لإيجابيات الماضي والعمل على التخلص من سلبياته المعيقة لنمو المجتمع، يقول غاندي «لا تحاول أن تقنع أحداً بتغيير عاداته وأفكاره، وأقصى ما تستطيع فعله هو أن تقنعه بأن يبدأ بمراجعة العادات والأفكار. إن فعل ذلك، فإنه هو الذي سيتغير وليس أنت». إن المجتمع الذي يلهج لسانه في الليل والنهار ب «الله لا يُغيّر علينا» بدلاً من دعائه «الله يغيرنا للأفضل»، هي مجتمعات رضيت بالجمود والتوقف عند نقطة معينة كمخالفة حقيقية لسنن الكون التي تقتضي التغيير وعدم الثبات، ولكننا وقعنا في معضلة الكمال من حيث إن مجتمعنا يجد أنه من الأفضل له أن يبقى على حاله لأنه يظن أن هذه الحال تمثل قمة الكمال، بالتالي تمسك بالموروث حد الأصولية دونما أي شك أو حراك، مما أفقدنا المحفزات للتطور والتقدم والتنافس نحو الأفضل. قال الله تعالى (إن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، هنا نقول إن الإصلاح يبدأ ذاتياً من الفرد نفسه، فكل فرد يشكل واقعاً محدثاً يؤثر في مصير المجتمع للمضي قدماً بتوجيه العملية الفكرية بشكل إيجابي مع العادات التي اكتسبت بالقدم جلالاً وقداسة، وهذا لا يتم إلا عبر تمحيصها وإعادة تقييمها وفصل وطرح سيئاتها، مما يفرض إرادة العقل الفردي للسيطرة والمسير نحو الأمام.