بما أن معارض الكتب العربية تعيش موسمها السنوي هذه الأيام، فكم آمل أن تتراجع مؤسساتنا الثقافية الرسمية عن لعب دورها (المتراسل) كممثل وحيد لعرض إنتاجنا الأدبي والثقافي أمام جمهرة القراء عرباً أو أجانب. النشر الورقي اليوم، لا تنفعه صورة الاستعراض، أو المنحى الشرفي الذي يغلب على تعاطي وزارة الثقافة والإعلام، بل يعيش على قوانين التنافس، والنوعية، والفرادة، وكفاءة التوزيع، وقوة التسويق. إذا ما كان المنتج الثقافي ضعيفاً وركيكاً ومفتقداً لوشائج ارتباطه بعصره فلا أحد سيلتفت إليه، ومهما تضخمت البوسترات واشتعلت الأضواء وتمدد الحيز المكاني (المكلف غالباً)، فإنه سيجني من النظرات الدونية ما لا تحتاجه الوزارة. والحقيقة أن القارئ العربي الذي يقصد منصات الوزارات الثقافية الرسمية لا يبحث إلا عن مطبوعات مجانية، وهو يجمعها دون أن يعرف مدى صلاحيتها للقراءة والحفظ. إذا كانت وزارة الثقافة والإعلام ناشطة في النشر المحلي، فلماذا لا نجد مطبوعاتها في أسواقنا ومكتباتنا؟ ولماذا نحاول أن نعرض على شعوب الدول الأخرى بضاعة لا ترقى أن تكون تمثيلاً ثرياً لمعطانا الأدبي والفكري؟ بل إننا إذا أردنا أن نكون شفافين في هذا الصدد، فإن أغلب الإصدارات الجيدة التي استمالت القارئ العربي (بعض الشيء في السنوات الأخيرة) قد أصدرتها دور نشر عربية حرة من قبضة أية وزارة أو مؤسسة ثقافية، وهذه الدور لا تطلب الدعم من دولنا المترعة بكل الفوائض، ما عدا الفائض الثقافي، وطلبها ينحصر في تسهيل عبور المطبوعات من بلد لآخر وتقليص الأضرار عليهم بمنحهم تخفيضات خاصة عند شحن تلك المطبوعات من وإلى بلادنا، رأفة بالشرائح التي تسعى لصيد الكتب من مدينة إلى أخرى. ورغم كل ما يمكن قوله عن جشع الناشرين العرب، وإهدارهم المزمن لحقوق المؤلفين وخاصة أولئك الذين يحققون مبيعات جيدة، فإنهم يعيشون أزمة الحدود، مضافاً إليها الصراعات السياسية التي تنشأ بين دولة وأخرى فيترجم ذلك إلى غلق كل قنوات التصدير والتوريد. والناشرون العرب يواجهون الأزمة الأشد وهي ثورة النشر الإلكتروني التي اكتسحت كل ما يحاولون إقامته من مصدّات، فالقرصنة جاهزة لتحميل آخر كتاب أخرجته المطابع ليقرأه الملايين مجاناً على أجهزتهم المحمولة، فيما لم تصل كل وزارات الثقافة العربية إلى قانون يجرّم ويقاضي كل لصوص النشر. أدعو وزارة ثقافتنا إلى قراءة جديدة لخططها تجاه صناعة الكتاب والتأليف إجمالاً، وكان من الأحرى بملتقى المثقفين السعوديين الثاني الذي عقد أواخر ديسمبر الماضي، أن يضع هذه القضية على خارطة أعماله، فهي أحد الشواغل الساخنة لكل كتاب وكاتبات بلادنا. في أكثر من مناسبة، استمعت إلى أصدقاء يرون أن ميزانية الثقافة ينبغي أن تصرف على طباعة الكتب والمجلات وتوزيعها مجاناً لكل مهتم أينما كان، لكنني أقول عن خبرة ليست بالقصيرة أن تلك المطبوعات المجانية هي آخر ما يقرأ، وأحياناً آخر ما يُحترم في مكتباتنا المنزلية!