إن هذا المعنى الضخم من السلام المكاني الزماني في الحج يحتاجه العالم اليوم، والعالم العربي بشكل خاص، بعد أن تحولت أوضاع العالم العربي إلى ما يشبه الحرب الأهلية المبطنة والظاهرة في كل مكان، التي هي وباء عام في الثقافة العربية عموماً، كما أشار يوماً المفكر السعودي إبراهيم البليهي تحت عنوان (وباء العنف) فكانت أفكاره اختراقاً ريادياً يمثل خرقاً غير معهود لثقافة القسوة التي نغطس فيها. إننا نحتاج في العالم العربي إلى إعلان ميثاق الأمن والأمان الاجتماعي للإنسان الذي يعيش فيه حاكماً أو محكوماً من أجل إعادة الحوار لأطراف الوجود الاجتماعي. إن قصة (القربان) الموجودة في القرآن أثناء احتدام الصراع البشري بين ولدي آدم شيء بديع، ويمكن في هذا مراجعة قصة القربان في سورة المائدة (واتل عليهم نبأ ابني آدم إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) في ست آيات رائعات ليصل السياق إلى تقرير أنه من أجل ذلك يحرم سفح دم الإنسان وإن قتل فرد واحد يعني قتل الإنسانية فاختراق حرمة فرد هي اختراق حرمة كامل المجتمع. إن هذه الآيات تذكر بمشكلة التضحية بالإنسان وأسباب الصراع الإنساني ونتائجه المأساوية. إن القربان لم يتقبل من الفاشل فأصر على القتل بدعوى التزوير في الانتخابات، في حين أن الناجح شرح خطته المستقبلية، وهي التخلي عن القوة من طرف واحد، وهذا الأسلوب في حل المشكلات لم يستوعبه العالم ولم يدرك أهميته مطلقاً (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين). إن الطرف الفاشل المهزوم يرى أنه على الحق المطلق، ويرى الآخر مارقاً يستباح دمه وبذا انعدمت عنده آلية المراجعة والنقد الذاتي، وبالتالي الحوار، وبالتالي فليس هناك من حل للمشكلات إلا بالتصفية الجسدية للطرف المقابل، أي إلغاء الطرف الآخر في حين أن الطرف الآخر لم يلجأ للقتل، لذا فهو يحاور، وهو يوقف بذلك حلقة الصراع الشيطانية بالتوقف عن استخدام القوة من طرف واحد.