في قصة ماء زمزم كما جاء في روايات المؤرخين وفي الأثر، أن هاجر زوج نبي الله إبراهيم عليه السلام، حين كانت تهرول في سعيها الحثيث بين الصفا والمروة، بحثا عن الماء لتروي به عطش طفلها، أخذت تدعو الله مستغيثة على الجبلين، فبعث الله تعالى جبريل عليه السلام ليضرب بجناحيه الأرض، فنبع الماء من تحت قدمي ابنها إسماعيل، وجاءت قبيلة جرهم من اليمن فوجدت الماء فأقاموا بمكة وعمّروها، وقد استجاب الله لدعاء نبيه الخليل إبراهيم عليه السلام، ومن ثم أصاب أرض مكة قحط وجدب، وعانت لسنوات طويلة من شح الماء، وقد دامت سنوات جفافها ما يزيد على ثلاث سنوات، وبمرور السنين غمرت السيول، بئر الماء الذي ظهر في عهد النبي إبراهيم عليه السلام، وطمرته الرمال والأحجار، لكن أغلب المؤرخين رجح أنها دفنت لعوامل التعرية وعوامل الطبيعة، والرواية الراجحة أن مضاض بن عمر الجرهمي أحد سادات مكة حين خاض حربا هُزِم فيها، اضطر لوضع ما كان يملك من نفائس ثروته، نقود وذهب وحُلي في بئر زمزم ودفنها فيها، حتى لا يجد أعداؤه الماء، ويستولوا على ثروته، وقد ساعدته العوامل الطبيعية على مر العصور في دفن معالم البئر واندثار آثارها. الذي يرجّح صحة هذه الرواية، الرؤيا التي تكررت لسيد قريش عبدالمطلب بن مناف في منامه التي حددت له مكان البئر المطمورة، وكأن هاتفا من السماء أتاه وأمره بحفر البئر لسقاية الحجيج. وكانت سقاية الحجاج من المهام التي تكفّل بها سادات مكة وتوارثوها، وكان قصي بن كلاب جد عبدالمطلب الأكبر، من أوائل الذين اهتموا بسقاية حجاج البيت الحرام، وكان السقاة يجلبون الماء من آبار المياه الجوفية التي حفرتها القبائل، وفي التاريخ أن أهل مكة لجأوا لحفر الآبار لأن المياه الجوفية هي المصدر الوحيد للماء لهم، وقد حُرموا من الأنهار والينابيع ولقلة المطر. ومن أشهر الآبار التي كانوا يَرِدُونها للسقيا بئر تنسب لميمون الحضرمي، وأخرى كانت لقصي جد عبدالمطلب تسمى بئر( العجول) في دار أم هانئ بنت أبي طالب، وهي أول سقاية تم حفرها من أَدَم، وكانت قوافل العرب حين تستقي منها، كانوا يرددون أرجوزة معروفة عند العرب: نروي على (العجول) ثم ننطلقْ إن قصي قد وَفَى وقد صَدَقْ ولإعادة اكتشاف بئر زمزم وحفرها، قصة بدأت بالرؤيا التي تكررت لعبدالمطلب في منامه، في ثلاث ليال متتاليات، وهو ينام في مضجعه بالحجر في فناء الكعبة. وسُمّيت له البئر في كل ليلة باسم مختلف، حتى كانت الليلة الثالثة، فذكرت له باسم (زمزم) وحُدد له مكانها (بين الفرث والدم،عند نُقرة الغراب). يصف الدكتور طه حسين هذه الرؤيا في كتابه (على هامش السيرة) بأسلوبه الأدبي الرائع، وذكر قصة الهاتف الذي جاء لعبدالمطلب في منامه بالحجر، وهو يأمره بحفر طيبة أو برة أو المضمونة أو زمزم، حتى أصبح في حيرة وقلق من أمره، وفكر في أن يقص رؤياه على كاهن، لكنه خشي أن يظنها أضغاث أحلام، وينتشر خبرها، فيسخر منه حرب بن أمية وأتباعه وفتيان مخزوم ويتندروا بها، ومن ثم اعتقد أنها من الشياطين التي تلح على الإنس فتفرض عليهم الطاعة، فلجأ إلى القربان وأخذ بذبحها ويطعم بها الفقراء، وقضى أهل مكة يومهم ذاك، وقد كثر فيه الطعام والشراب، فأوى عبدالمطلب إلى فراشه فجاءه الهاتف وقال له احفر زمزم واسقِ الحجيج الأعظم. ووجد عبدالمطلب مع ابنه الحارث مكان البئر (بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأصم) وحفرها وأخرج كنزها، وبقيت زمزم منذ ذلك التاريخ طعام طعم وشفا سقم، وسقيا للحجيج.