التربية هي اللبنة الأساسية الأولى في عملية تحديد وتشكيل هوية الأفراد وتنظيم علاقات الجماعات بما يخدم مصالح المجتمع، وهي عملية تتابعية بين الأجيال؛ كل جيل يورِّث مبادئه الفكرية إلى الجيل الآخر فيسعى الجيل اللاحق إلى إسقاط بعض تلك المبادئ لتعارضها مع متغيرات العصر، ولكن هذه القاعدة تختلف تماماً في المجتمعات التقليدية والأحادية التفكير التي تتميز بطابع الاستمرارية عبر تدوير نفس المنظومة التربوية ليتكرر إنتاجها جيلاً بعد جيل كدورة ثقافية لا يطالها التغيير؛ لأن المجتمع الأحادي هو نوع من المجتمعات التقليدية التي تسودها أنماط معينة من القيم والسلوك وأشكال واحدة من التنظيمات التي تبقى محافظة على العصبيات والأعراف التقليدية القديمة. وفي الحديث عن المجتمعات العربية التي هي أشد تقليدية وأكثر محاصرة لشخصية الفرد وثقافته، نجد المرأة تقبع في فراغات تهميشية واسعة من القمع واستلاب الحقوق الشخصية؛ لأن المجتمع التقليدي ما هو إلا امتداد تاريخي لخصوصية ارتبطت بالبيئة التي مازال تأثيرها يفيض علينا حتى الآن، فبعد أن جاء الإسلام وأقرَّ من بين مبادئه السامية مبدأ المساواة بين الناس جميعاً ومن ذلك المساواة بين الرجل والمرأة في التكليف وفي الثواب والعقاب، نرى أن مجتمعنا يأبى إلا أن يعيش ويميز بين الرجل والمرأة ويضعها في كفة أقل من الرجل بوصفها كائناً لا يصلح سوى لإنتاج الخام البشري. على مر العصور العربية شاهدنا أعداء المرأة يتمظهرون بجميع الأشكال والألوان والأصناف، ففي مبادرة القيادة التي أطلقتها مجموعة من النساء السعوديات، فقد رأينا شريحة كبيرة من جماعة «أحب الصالحين ولست منهم» عبر برنامج التواصل الاجتماعي تويتر يقذفون ويشتمون كل مؤيدة للقيادة. بل إنهم أسسوا حملة لاغتصاب كل من تسول لها نفسها لمس المقود، هؤلاء مدَّعو الشرف يكفي أن تدخل على صفحاتهم في تويتر لتصطدم بكمية من الانفلات الأخلاقي والضعف الديني لديهم، ففي الوقت الذي تراهم يصفقون في برنامج «الكيك» تجدهم يشتمون ويقذفون كل من تطالب بحق القيادة، وكأن الله تعالى أحل لهم الاغتصاب والقذف والعهر وحرم على النساء قيادة السيارة، التي هي في الأصل مجرد وسيلة حركة، وحرمان المرأة منها يعتبر عملية إعاقة وشل لحركتها، ولا أريد أن أدخل هنا في الأحكام الشرعية لأن الشرع واضح ولا يوجد دليل شرعي واحد يحرم القيادة، ولكن المجتمع الذكوري الذي بيَّن كل تناقضاته يضع اللوم على المرأة ليريح ضميره، فهي من تفتنه وهي من تغريه وهي من تمزق فضيلته، تخيلوا أي ضعف يسكن نفوس هذا النوع من الرجال وكيف لهم أن يرفعوا رؤوسهم في مجتمع لا يستطيعون حماية نسائه، بل ويدعون لسجنهن في البيوت كحل لفشلهم الذريع. وأخيراً، لا يستطيع أحد أن يجادل في أهمية دور المرأة في التنمية، فالمرأة التي تدرك حقيقة دورها وتلتزم بواجباتها وتحرص على ممارسة حقوقها بما لا يتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف، لها تأثير كبير في حركة النهضة في الوطن، مما يدفع به إلى مزيد من التقدم والرقي وملاحقة الركب الحضاري على مستوى المجتمعات الإسلامية والعالم أجمع.