علمت فيما بعد أن عضوين من الهيئة سحبا قطيع العاملين في المكان وحشراهم جميعا في السيارة الجيب البيضاء المتوشحة بالشعار الأبيض “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ثم انطلقا بهم إلى مقر مكتبهم، وبعد التأنيب والتغليظ والإجبار لقطيع العمال على أن يخطوا ويوقعوا ويبصموا تعهدا ملزما لهم بأداء الصلاة جماعة في المسجد! هل بعد هذا يمكن أن يكون لتساؤلاتي المتعجبة عن اختفاء الزرقة الجميلة والغمام المنسّق وحفلة السماء البديعة أيّ قيمة أو معنى؟ إن ما فعله العضوان بمباركة من مكتب الفرع الذي يرجعان إليه وما تفعله معظم دوريات الهيئة في هذا الجانب عندما يتجاوزون حث الناس على الصلاة وتنظيم إقفال المحلات التجارية وإيقاف النشاطات التسويقية، التزاماً بقانون هذا البلد المبارك في أوقات الصلوات الخمس، إلى تعقب الذين لم يذهبوا إلى المسجد واقتيادهم إلى فروع جهازهم لأخذ تعهدات مكتوبة منهم بالصلاة في المساجد، فهذا تعدٍّ على حق الله سبحانه وتعالى، فالصلاة عبادة والعبادة مسألة بين العبد وربه، “لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي”. “أفأنت تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين”. إنني لا أعلم تحت أي سندٍ ديني أو قانوني يقوم أعضاء الهيئة الذين هم من خلق الله بإلزام مخلوقين آخرين مثلهم بتحرير تعهّد بأداء عبادة أو فرض للخالق المعبود الواحد الأحد؟ هل يعلمون أنهم بتجاوزهم مسألة التذكير بالصلاة والحث عليها ومراد إقفال المحال في أوقاتها الخمسة، وتركهم للصلاة لمتابعة عباد الله والتجسس عليهم والاتصال على الهواتف المعلنة في لوحات هذه المتاجر (لكفش) العاملين فيها هل ذهبوا للصلاة أم لا، هو أمر في غاية الخطورة، عقيديا أو دينياً، كما أتصوره، لأن هؤلاء العمال وأكثرهم من الأجانب عندما يذهبون إلى المسجد وتأدية الصلاة، في هذه الحالة، إنما يفعلون ذلك خوفا من الهيئة وأعضائها وليس تقرّبا إلى الله وحبا فيه، وقد يصلي بعضهم دون وضوء!