احتفلنا يوم الإثنين المنصرم باليوم الوطني لبلادنا العزيزة. لا شك أن إظهار السرور والفرح في مثل هذا اليوم لهو من الضرورات؛ حتى نتذكر النعم التي أنعم الله علينا بها في هذه البلاد، وتحت قيادتنا الرشيدة وفي العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله. لكن هل مجرد الاحتفال يجزي ويكفي؟ من وجهة نظري أنه لا يكفي. فهذا اليوم الذي يمر علينا كل سنة، يُفترض أن يكون هو الوقت المثالي لنحاسب فيه أنفسنا جميعاً بالسؤال، ماذا قدمنا للوطن خلال السنة الماضية؟ يجب أن نتحرى في الإجابة على هذا السؤال أن يكون الوطن هو محور الإجابة، وعليه فإنه لا يجب أن نشمل ماذا قدمنا، لأنفسنا أو أقاربنا أو أصدقائنا بل تحديداً للوطن ولا غيره معه شريك. قبل أن أتحدث عن أي شيء آخر، يجب علينا جميعاً كمواطنين بمناسبة اليوم الوطني أن نتذكر الدور البطولي والريادي الذي قام به المغفور له بإذن الله تعالى، الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن مع أبناء الجزيرة العربية في توحيد هذه البلاد، وإرساء دعائم الوحدة والاستقرار تحت راية التوحيد. فلقد كان توحيد المملكة عملاً ملحمياً طويلاً ذا تضحيات عظيمة، لذا فإنه يستحق من جميع الأجيال القراءة والتذكر والاعتبار والافتخار به أيضاً، وفي كل الأوقات لا سيما في يوم الوطن. يسهل على الشخص منا التغني بوطنه، لكن هذا هو أقل القليل الذي يمكن أن يُقدم في حقه، خصوصاً إن كان يقوم بأعمال تتنافى مع الوطنية أو تنتقص منها. فالوطنية بنظري ومن هذه الزاوية هي كالإيمان تزيد وتنقص. إن العطاء الحقيقي للوطن هو عطاء ممدود وغير منقطع، فهو عطاء الشخص لنفسه وأهله وأقاربه وأصدقائه، وأبنائه بل وحتى للأجيال اللاحقة التي سوف تقدر تضحياته التي قدمها كتعبير عن حبه لوطنه. لا شك أن الجميع يحبون أوطانهم بشكل فطري. ولا شك إن سألت أحدهم، هل أنت مستعد أن تضحي من أجل وطنك، فإنه سيقول نعم. ويظهر خط الدفاع الأخير من الحب بشكل أبرز في الأمور الأساسية كالدفاع عن تراب الوطن أمام الغزاة الطامعين. لكن هناك أموراً أقل حيوية إلا أنها مهمة على المدى البعيد. كالمحافظة على مقدرات البلاد ومخزونها من المواد الأولية والاحتفاظ به للأجيال القادمة. أيضاً محاربة الفساد المالي والإداري لما له من مضار في تآكل مقدرات البلاد ومساسه بالتماسك السياسي والاقتصادي والاجتماعي للوطن. ينظر بعضنا إلى الولاء للوطن، كعلاقة جافة ورتيبة في نظري. فبعضهم يحصر مفهوم الولاء في عقله بأنه يعني عدم خيانة الوطن بالتجسس عليه لصالح أطراف خارجية. رغم أن عدم القيام بمثل هذه الأمور هو من بديهيات الولاء من وجهة نظري، ولكن هناك درجات من الولاء لا تقل أهمية. فمن الولاء للوطن الذي يجب أن نسعى إليه جميعاً هو العمل كالجسد الواحد في تحقيق التنمية الحقيقية لهذا الوطن. حتى يكون وطناً صالحاً يعيش فيه الجميع بطمأنينة وسلام وعدالة. ولقد أعجبني مقال الزميل شافي الوسعان يوم الأحد الماضي بعنوان: في يوم الوطن، انظروا من الذي يتكلم؟ الذي أشار فيه إلى أن بعضهم يسطر أجمل الديباجات الكلامية والخطابية في التغني بحب الوطن، لكنه في فعله ينهب مقدرات الوطن المالية وينتهك قوانينه الإدارية. لذا من حقنا أن نتساءل عن موقعه الحقيقي من الوطنية. الوطن هو كيان مشترك لنا جميعاً كمواطنين، فما نقدمه من خير أو شر لغيرنا سوف يعود علينا بطريقة أو أخرى يوماً ما. إذن من الأولى علينا أن نحافظ على مقدراته وإمكاناته من أجلنا جميعاً. فالمواطنة الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال إصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا. إن من أعظم النعم التي نتمتع بها في وطننا، هي نعمة الأمن والأمان.. وهي نعمة حُرمت منها بعض الأوطان العربية خلال الوقت الراهن. وبما أن اليوم الوطني هو مناسبة عظيمة، فإن كثيراً من شرائح المجتمع السعودي تنتهز هذه الفرصة لتتطلع إلى زيادة القاعدة الحربية للمملكة حتى نكون بالفعل قادرين على حمايته من الأطماع الخارجية، وبالتالي تستحق العيش فيه. المعاني العظيمة تحققها الأفعال لا الأقوال. فمن المناظر المبهجة أن نرى الناس تحتفي باليوم الوطني. وفي مسقط رأسي مدينة طريف، كنت سعيداً عندما رأيت نساءً مع بعولهن في أحد المتنزهات وقد لفوا أبناءهم وبناتهم بأطواق خضر على أكتفاهم وهم يحملون أعلاماً جميلة للمملكة. شعرت بلحظة انتماء جميلة، بأن هناك أمراً آخر يربطنا جميعاً وهو حب هذا الوطن. عندما أطلق العنان لخيالي لأتصور حجم المملكة الكبير والمترامي، أقول في نفسي كم هي عظيمة هذه البلاد. وأعظم هبة فيها هي الإنسان. ولا أزال مؤمناً بأنه رغم كل ما تحقق من إنجازات إلا أنه لدينا مشوار طويل نحو تحقيق الاستغلال الأمثل لمواردنا البشرية والمادية. وفي عهد الملك عبدالله حفظه الله، نشهد نقلة ضخمة في كل الجوانب ولله الحمد. وهذا يفتح شهيتنا لإنجازات أكبر بإذن الله. وكل عام وأنت يا وطني بقيادتك وشعبك متحدين وبخير وعافية بتوفيق الله.