في مقالته التي أرسلها إلى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بعنوان «دعوة روسية للحذر»، يتحدث فلاديمير بوتين عن الأسباب التي تدفع بلاده إلى تقديم كل هذا «الدعم السياسي» الملحوظ لنظام بشار الأسد على الرغم من السخط العالمي تجاهه خصوصاً بعد استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق بتاريخ 21 أغسطس الماضي. الرئيس الروسي يرى أنه لا يحمي الأسد وإنما يحمي القانون الدولي، لذا يقف بقوة أمام أي عمل عسكري بعيداً عن موافقة مجلس الأمن الدولي، ويعتقد أن الحفاظ على القانون والنظام سيحول دون انزلاق العلاقات الدولية إلى الفوضى. ويَعُد بوتين أن ما يجري في سوريا ليس كفاحاً من أجل بسط الديمقراطية، بل مواجهة مسلحة بين قوات نظامية وأخرى معارضة في دولة متعددة الأديان، مبدياً قلقه من «مقاتلي القاعدة» ومن سمّاهم «المتطرفين من جميع المشارب». ويربط رجل روسيا القوي بين العمل العسكري الذي تحدثت عنه الولاياتالمتحدة خلال الأسابيع الماضية وحاضر العراق وليبيا وأفغانستان، موجهاً سؤاله إلى الإدارة الأمريكية: لماذا تريدون تكرار نفس الأخطاء؟ ويمكن القول إن هذه المقالة، التي أثارت جدلاً واسعاً في الولاياتالمتحدة بمجرد نشرها، تعكس حجم التخوف الروسي من مرحلة ما بعد الأسد إلى الدرجة التي تدفع موسكو إلى التشبث به، لأن البديل ليس واضحاً بالنسبة لها. كما تؤكد المقالة أن المقاربة الروسية للصراع تضع في الحسبان حجم الدور الأمريكي في المنطقة، ولا تريد أن يقع تدخل عسكري في سوريا للحيلولة دون التوسع في هذا الدور، وهو ما يتضح من إبداء بوتين انزعاجه البالغ من حديث أوباما الثلاثاء الماضي عن «أمريكا الاستثنائية». الرئيس الروسي لم يطرح خارطة طريق تنهي معاناة السوريين وأبدى تمسكاً بما يمكن تسميته «الشكل» لا «المضمون»، فهو يدرك بحكم خبراته السياسية أن مواثيق الأممالمتحدة شُرِعَت لحماية الأمن والسلم العالميين، وبالتالي حينما تتحوَّل هذه المواثيق إلى عائق أمام تحقيق هذا السلم، فإنها تفقد معناها ويصبح التشدد في الأخذ بنصوصها تصرفاً يتناقض مع روحها.