حين يتعرض أحد أفراد الأسرة للمرض، تصاب الأسرة أكملها بأزمة نفسية تحبس على إثرها أنفاسها وتدخل في دوامة للبحث عن العلاج، فإذا كان علاج المريض غالي الثمن تبذل كل ما عندها من أجل توفيره حتى لو كان في آخر بلاد العالم، ولكن حين يكون المريض فقيراً، تكبر مصيبته، فلا يجد من يساعده باحترام ولا من يعينه على المصاريف، ويُترك في معاناته إلى أن يتفاقم مرضه أمام مأساة فقره، ولا يجد فرصة في العلاج الجيد (وليس الممتاز) إلا إذا أصابه ضرر أو مضاعفات بسبب خطأ طبي، فإما أن يحنو عليه فاعل خير ثري أو تصل مأساته إلى القيادة فيأمر الملك بعلاجه، لتبدو وزارة الصحة دائماً خارج الموقف!. يعاني الطفل محمد عبد الله زيدان ذو الثماني سنوات من التهاب الأوعية الدموية، وانثقاب في الأمعاء، وتضخم في الكبد والطحال، ونقص تروية في أصابع القدم اليسرى، وغرغرينا في كلتا يديه الأمر الذي أدى إلى بترهما، كما تم استئصال أجزاء من أمعائه، ولا يزال الطفل يرقد في مستشفى الدكتور سليمان الحبيب التخصصي في قسم العناية المركزة من شهر مايو، فيما يستمر والده بمناشدة أصحاب القلوب الرحيمة لمساعدته في تكاليف علاج ابنه، التي تجاوزت قيمة التأمين الطبي الممنوح من الشركة التي يعمل فيها الأب، ولا يتمنى سوى أن يُساعده أحد بنقل ابنه لأي مستشفى حكومي أو أن يتكفل (ولو جزئياً) بسداد تكاليف العلاج. وفي مكان آخر تناشد (أم عبد الله) منذ أن بلغ ابنها السنتين من عمره المسؤولين في وزارة الصحة بعلاجه في مركز صحي متخصص، حيث يعاني من تأخر في النمو العقلي والنطقي والسمعي، راجعت به في مدينة الملك سعود الطبية في شميسي الرياض لمدة أربع سنوات ولكن لم تتقدم حالته، وحين توجهت به إلى مستشفى القوات المسلحة فأخبروها هناك أن حالته بحاجة إلى علاج في مركز متخصص للنطق والسمع، ولكن لظروفها المالية الصعبة لم يتم تحقيق ذلك. وفي التطورات الأخيرة التي بدأت باتخاذ نمط مختلف من أجل تحسين الخدمات والارتقاء بمستوى المرافق الصحية في المملكة، اعتمد وزير الصحة دفعة واحدة من القرارات والعقوبات غير المسبوقة في تاريخ الوزارة، بمعاقبة أحد الأطباء العاملين في أحد مستشفيات الشؤون الصحية في المدينةالمنورة، بغرامة مالية قدرها عشرة آلاف ريال، بعد ثبوت سوء تعامله مع الآخرين وإخلاله بواجبه الوظيفي وأخلاقيات المهنة، كما تم إلغاء تراخيص مزاولة المهن الصحية لثلاثة أطباء في أحد مستشفيات الشؤون الصحية في منطقة جازان، وتغريم كل منهم مبلغ ثلاثين ألف ريال، بسبب قيامهم بإصدار تقارير طبية غير صحيحة، وتمت أيضاً معاقبة نائب مدير المستشفى بحسم عشرة أيام ونقله نقلاً تأديبياً لإساءته (استخدام السلطة)، إضافةً إلى إحالته إلى الجهة المختصة بقضايا التقارير الطبية غير الصحيحة، وتم تنفيذ كل ما تنص عليه قوانين المخالفات في نظام المهن الصحية، وفي هذا الموقف الإيجابي لابد أن نشكر جهود الوزارة في محاولة إحداث تغيير للقيام بالواجب علي أكمل وجه، ولكن في ذات الوقت أجد نفسي تدفعني لعدم المجاملة والمبالغة في الثناء، بل أقترح وأتوقع مزيداً من التقدم، كمواطن في هذا البلد الذي نثق بإمكانياته الضخمة، وأرى أن على وزارة الصحة أن تقوم باستحداث نظام أو إصدار حزمة قرارات تُحمل مُديري المستشفيات في المملكة، سواء كانت حكومية أو خاصة، مسؤولية خدمة ومعالجة جميع المرضى بجميع شرائحهم دون أن يضطروا للمناشدة، والتركيز على الواجب الإنساني في إنقاذ النفس البشرية قبل العامل المادي والإداري، وإذا لم يتوفر علاج المريض في المرفق الصحي، على إدارة كل مستشفى القيام بمسؤوليتها في توجيه أو نقل المريض بحسب حالته إلى المرفق الصحي المناسب الذي يتوفر فيه العلاج، دون أن يُضاف عبء هذا الأمر على المريض أو ذويه، خاصة أن أغلب المرضى يجهلون المكان الذي تتوفر فيه تخصصات المرض. لقد درس وتدرب معظم أطباء وزارة الصحة وأطباء هذا البلد على المهنية الفائقة والرقي في تقديم الرعاية التامة للمريض والتعاطف مع حالته، ولمسوا أيضاً المهنية العالية والإحساس بالمسؤولية عند تقديم الخدمات بجميع أنواعها في بلاد الابتعاث، فكيف يغيب عن نظامنا الصحي تطبيق نفس التفاصيل الإنسانية التي تقدمها وتوفرها عديد من المستشفيات لمرضاها في الخارج، بينما مازال يصر بعضهم على تطبيق بند (على هالخشم) دون نتيجة ملموسة بعيداً عن المهنية في المعاملات الرسمية!. والأمر الذي يدعو إلى الدهشة حال كثير من الأغنياء في هذا البلد، فبالرغم من امتلاكهم كثيراً من الخير والملايين، إلا أن أغلبهم يحصل بسهولة على أمر علاج في الخارج وفي أفضل مستشفيات العالم، ويبقى الفقير محاصراً في دوامته (يناشد ويتوسل) علاجه إلى أن يموت؟!.