الدمام – يوسف الرفاعي العقبات الإدارية والتمويلية تهدد بتراجع سريع للمنشآت الصغيرة. غياب المعلومة الدقيقة يؤجل الطرح الجاد لمشكلات صغار المستثمرين. برامج الدعم المالي.. عين على الضمانات وأخرى على الجدوى. ليس جديداً أن لا تتاح معلومات جوهرية عن واقع المنشآت الصغيرة في المملكة، فهي جزء مصغر من مشهد أكبر تختفي فيه الإحصاءات الدقيقة التي تتيح رؤية واضحة لخريطة تلك المنشآت ليس فقط على صعيد الفرص المتاحة لها في البقاء، بل وأيضاً حجم نجاحاتها ومشاركتها في تنمية الاقتصاد. ولكن تصريحات الخبراء تميل باتجاه مخاطر عديدة تكتنف مستقبل تلك المنشآت التي قدرتها بعض المصادر بنحو 833 ألف منشأة فيما قدرتها مصادر أخرى بنحو 700 ألف منشأة. وبين الرقمين فاقد، 133 ألف منشأة، يكشف عن هول غياب المعلومة الدقيقة. لكن كثيرين يتفقون على أن نسبة تلك المنشآت الصغيرة تقدر بنحو 80% من إجمالي المنشآت الاقتصادية العاملة في المملكة. أثر غياب المفهوم المحدد وربما يختلف كثيرون على تعريف ومفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من دولة لأخرى وفقا لاختلاف إمكانياتها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك طبيعة مكونات وعوامل الإنتاج، ونوعية الصناعات الحرفية التقليدية القائمة قبل الصناعة الحديثة، والكثافة السكانية، ومدى توفر القوى العاملة ودرجة تأهيلها، والمستوى العام للأجور والدخل، وغيرها من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد ملامح وطبيعة الصناعات القائمة فيها. كما يختلف التعريف وفقا للهدف منه، وهل هو للأغراض الإحصائية أم للأغراض التمويلية أو لأية أغراض أخرى. لكن يظل معيار عدد الموظفين هو الأساس؛ حيث يقصد بالشركات الصغيرة التي تقل عمالتها عن 10 أشخاص. أجواء عمل معقدة وتعمل المنشأت الصغيرة في أجواء معقدة نسبياً ليس فقط من حيث التمويل وآلياته وضماناته المطلوبة، وإنما أيضاً من حيث العقبات العديدة التي تطالها، على صعيد غياب المنافذ التسويقية المنتظمة وغياب المعلومات التنافسية المتاحة والمطلوبة للبقاء في السوق فضلاً عن اعتمادها على خبرات أصحابها وقدرات العمالة المعتمدة عليها التي لا يتوفر لها عادة الخبرات الإدارية الحديثة، ومؤخراً أضيفت لتلك العقبات شروط برنامج نطاقات التي شكلت ضربة موجعة لتلك المنشآت ربما هي الأقوى بين ما يعتريها من تحديات. يأتي ذلك في وقت تساهم فيه المشاريع الصغيرة بحوالي 33% من الناتج المحلي ويعمل بها 45% من العمالة. إسهامات لا يمكن تجاهلها ورغم ما يعترضها من مشكلات، فثمة مزايا عديدة تساهم بها المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من أبرزها سهولة تأسيسها نظرا لعدم حاجتها إلى رأس مال كبير أو تكنولوجيا متطورة. كما أنها توفر فرص عمل وبكلفة استثمارية منخفضة، وتستغل مدخرات المواطنين بتشغيلها في الميادين الاستثمارية المختلفة. ومن مزاياها أيضاً أنها تغطي نسبة من الطلب المحلي على المنتجات التي يصعب إقامة صناعات كبيرة لإنتاجها لضيق نطاق السوق المحلية. كما لا يحتاج العاملون إلى مستويات عالية من التدريب للعمل في هذه المشاريع لبساطة التكنولوجيا المستخدمة. معادلة غير مفهومة ولعل من التساؤلات التي لا تجد من يجيب عنها، كيف يمكن تفسير العلاقة بين ضخامة البرامج التشجيعية المتاحة لتلك المنشآت، وزيادة الضغوط عليها بما يهدد بتناقصها وإغلاق كثير منها. ربما يرد السبب في ذلك إلى وجود فجوة بين البرامج المتاحة وكيفية الاستفادة منها. فقد أطلقت في المملكة مبادرات عديدة لدعم تلك المنشآت؛ حيث تقدر الجهات التمويلية في المملكة بأكثر من عشرين جهة رئيسة تقدم تسهيلات تمويلية مختلفة للمشاريع الصغيرة من أبرزها البنوك كالبنك الأهلي والزراعي والتسليف والادخار والجزيرة والرياض وساب ومصرف الراجحي، وصندوق التنمية الصناعية السعودي والصندوق الخيري الوطني، وصندوق غرفة الشرقية لدعم المبادرين والمنشآت الصغيرة، وبرامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فضلاً عن برامج «واعد» و«بادر» و«كفالة» وغيرها. ومؤخراً أشار عدد من الخبراء إلى أن حجم التمويل المتاح يقل بكثير عن حجم التمويل المستغل فعلياً. ويُرد ذلك في الغالب إلى ما يرافق تلك البرامج التمويلية من شروط صعبة تجعل الحصول على القروض مسألة غير هينة وتؤجل بالتالي تطوير الأعمال. فبينما تشير شركة سما إلى أن البنوك السعودية رصدت 80 مليار ريال لدعم المشاريع الصغيرة، يقدر ما يصل إلى تلك المنشآت فعلياً بنحو عشرة مليارات فقط، ما يثير تساؤلات حول أسباب تعطل تشغيل 90% من تلك المخصصات في السوق. تراجع العدم للنصف لكن المتابع للمشهد الخليجي لا يمكنه إغفال ما كشفت عنه منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) مؤخراً عن انخفاض الاستثمارات الخليجية في المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 3.9% رغم ما تمثله مشاركة تلك المنشآت في الصناعات باستثمارات تقدر بنحو 8638 مليار دولار خلال عام 2011 نزولاً من 12740 مليار دولار ونسبة 8.9% من إجمالي الاستثمار الصناعي في عام 2002. تباين آليات التمويل وقبل أن نطرح إنجازات تلك الجهات التمويلية، من المهم الإشارة إلى التباين الواسع فيما بينها بالنسبة لآليات وشروط الدعم والتمويل. فبعضها يمنح تمويلاً مباشراً يوفر للمقترض السيولة التي يحتاجها لتسيير أعماله، وبعضها يقدم تمويلاً للمستفيدين لشراء أصول ثابتة أو تقديم خطابات ضمان واعتمادات مستندية. وفي جميع الحالات يشترط الممولون أن يكون المتقدم سعودي الجنسية كما يشترط تفرغه التام. ويصل الحال في بعض البرامج إلى تبني نجاح تلك المشاريع من خلال التدريب والتوجيه والنصح وتقديم الدعم اللوجستي. لكن التعاطي مع شروط التمويل يختلف من جهة لأخرى في ظل غياب مفهوم محدد للمشاريع الصغيرة وحجم رساميلها وأصولها الثابتة. ومن ثم يتجه بعض الممولين إلى اشتراط مرور عدد محدد من السنوات على المنشأة وأن لا يقل حجم مبيعاتها عن خمسة ملايين سنوياً ولا يزيد عن خمسة عشر مليوناً ويقدم بعضها برامج تدريب منتهية بالتوظيف. لكن البنوك لا تعطي جل اهتمامها للضمانات بقدر ما تستهدف وجود جدوى اقتصادية للمشروع وبالتالي لا تعد الضمانات محوراً رئيساً في التمويل بل تعد عنصراً مكملاً. صناديق الدعم والتمويل وكان صندوق التنمية الصناعية السعودي أعلن مؤخراً عن تخصيص 53% من قروضه للمشاريع الصغيرة وبإجمالي تمويل بلغ 106 مليارات ريال. فيما قدّم صندوق تنمية الموارد البشرية دعماً ل 1021 مستفيداً و684 مستفيدة بمختلف المناطق بإجمالي يقدر بنحو 116 مليوناً. وفي سياق مشابه، طرح بنك التسليف والادخار برنامجاً واعداً لدعم المنشآت الصغيرة سمّاه «مسارات»، وعنه ذكر أنه صمم بطريقة مميزة؛ حيث يضم خمسة مسارات تم تقسيمها بالنظر لعدة عوامل مختلفة كقياس الحجم الاستثماري للمشروع ونشاطه وشريحة طالبي التمويل ممن تجمعهم بعض الخصائص المميزة التي يستهدفها البنك، ويستهدف المخترعين ومن لديهم مشاريع مميزة في القطاعين الصناعي والخدمي والمشاريع الصغيرة والناشئة في جميع التخصصات، كذلك الراغبين في تملك سيارات الأجرة والنقل الفردي الثقيل، ودعم برامج الأسر المنتجة، التي تقل تكلفتها الاستثمارية عن 400 ألف ريال. ويقدر حجم القروض التي خصصها البنك منذ بداية تأسيس برنامج مسارات وحتى عام 2011م بما يقارب 22500 قرض بقيمة إجمالية قدرها 3.316 مليار ريال، منها 2428 قرضاً في العام المالي 2011م بقيمة إجمالية تتجاوز 325 مليون ريال، فيما بلغت قروض البنك خلال الربع الثاني من العام الحالي 2012 نحو 917 قرضاً بقيمة تقدر بنحو 321 مليون ريال. «بادر» تجربة نوعية أما برنامج «بادر» لحاضنات التقنية الذي دشنته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عام 2007 وأعقبته بإنشاء الشبكة السعودية لحاضنات الأعمال عام 2009 فإنه يقدم خدمات مميزة للقائمين على تلك المنشآت الصغيرة. ومن ذلك دراسة جدوى الحاضنة وتخطيط تطوير المفهوم، وتدريب موظفي الحاضنة، ومراقبة وتقييم أداء الحاضنة، وإيجاد مورد وأدوات للحاضنة، مع تقديم الدعم المالي للعملاء بالحاضنة. ويقدر عدد المشاريع التي تبناها البرنامج ونجح في احتضانها 62 مشروعاً تقنياً، توفر نحو 400 وظيفية للشباب السعودي، كما ساعد في دعم وإنشاء 11 حاضنة في المملكة، بالإضافة إلى دور البرنامج في إنشاء شبكة «سِرب» للمستثمرين الأفراد لتوفير قنوات وآليات جديدة لتمويل ودعم رواد الأعمال التقني. «كفالة» وشروط الدعم وفي سياق متصل، بلغ حجم مبالغ الكفالات التي قدمها برنامج «كفالة»، الذى يشرف عليه صندوق التنمية الصناعية السعودي، منذ إنشائه قبل 5 سنوات في عام 2006م وحتى نهاية عام 2010م نحو 720 مليون ريال، يستفيد منها 1249 مستفيداً يمثلون قطاعات وأنشطة اقتصادية مختلفة جاء في مقدمتها أنشطة المقاولات بنسبة بلغت 45% والنشاط الخدمي بنسبة 22% والنشاط الصناعي بنسبة 19% والتجاري 10% و4% للأنشطة الأخرى. ويتولى البرنامج تغطية نسبة من مخاطر الجهة الممولة في حالة إخفاق النشاط المكفول في سداد التمويل أو جزء منه. لكنه لا يمنح تمويلاً مباشراً للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وإنما ييسر لصاحب النشاط فرصة الحصول على التمويل اللازم لمشروعه من البنوك المشاركة في البرنامج عن طريق إصدار كفالة لصالح البنك يكفل بموجبها البرنامج نسبة من التمويل، ويحق لأي منشأة صغيرة أو متوسطة سواء كانت سعودية أو بشراكة مع مستثمرين أجانب أو مملوكة لأجانب بالكامل ومسجلة بالمملكة بشرط ألا يتجاوز حجم مبيعاتها السنوية 20 مليون ريال أن تتقدم بطلب الحصول على تمويل من البنوك بكفالة البرنامج. «واعد» يجافي «الصغار» أما مركز ريادة الأعمال المحدودة «واعد» الذي أطلقته شركة أرامكو فيقدم خدمات التدريب والمساندة في كيفية إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يساعد على استمرارها، كما تشمل خدماته تقنية المعلومات والاتصالات، والخدمات الطبية، وخدمات الطاقة (ومنتجاتها ذات الصلة)، فضلاً عن التصنيع، والتعليم، والمواد الكيميائية، وسلسلة الإمدادات والحلول اللوجستية، والفرص الصناعية المبتكرة الأخرى. لكن، في المقابل، يشترط المركز في المشاريع التي يدعمها مجموعة من المتطلبات من أهمها أن تكون من المنتجات والخدمات ذات القيمة المضافة التي توفر حلولاً مبتكرة أو حائزة على براءة اختراع.وأن تكون من الأعمال التي ترفع مستوى التنافسية في القطاعات المفتقرة إلى ذلك، كما تشترط فيها أن تكون من الأعمال التي تدعم فرص العمل وتوفر مستوى جيداً من الوظائف لأبناء المملكة، وأن تكون من الشركات التي لا تعتمد على الواردات. لكن يبدو من شروط الدعم، أن اهتمامات «واعد» لا تشمل عديداً من الأنشطة الصغيرة نسبياً، كالمقاولات العامة والاستثمارات العقارية، والمشاريع والاستثمارات العقارية، والأعمال التجارية (الاستيراد والتوزيع بالجملة)، فضلاً عن قطاع الضيافة العامة، وخدمات غسيل الملابس والتنظيف، ودور الحضانة ومراكز توفير الرعاية والرعاية النهارية للأطفال، ومحلات البيع بالتجزئة وأعمال الخياطة وتصميم الأزياء والأعمال ذات الصلة، وأعمال السيارات (صيانتها وإصلاحها أو تعديلها)، وصالونات التجميل والمراكز الصحية والنوادي الرياضية، والمؤسسات والجمعيات الاجتماعية والمشاريع الثقافية. على قائمة الانتظار ** وتبقى هناك تساؤلات ربما تكون محاور لنقاشات أوسع في القريب منها، ما حجم الاستثمارات الكلية للمنشآت الصغيرة التي تشارك بها في دعم الاقتصاد؟ وما المبرر وراء غياب المعلومات الدقيقة عن أداء تلك المنشآت على الصعيد الوطني؟ وما سبب تقادم الإحصاءات المتاحة؟ وما حدود المخاطر التي تواجهها؟ وما سبب عدم استفادة المنشآت الصغيرة من برامج التمويل الضخمة التي تتيحها البنوك والصناديق الوطنية؟ ولماذا لا تستغل إعانات حافز والضمان الاجتماعي في تنشيط قطاع المنشآت الصغيرة بدلاً من تحويلها إلى الاستهلاك المباشر؟ ولماذا لا توجد جهات وطنية تتولى دراسة أوضاع تلك المنشآت ورعايتها وتقديم الدعم اللازم لها بدلاً من اللجوء إلى مبادرات نوعية مناطقية أو قطاعية؟ جميعها تساؤلات تصطف على قائمة الانتظار، وتبحث عن إجابات وافية. نسبةإسهامات المنشآت الصغيرة في الناتج المحلي