الرياض، الدمام – خالد الصالح، الشرق الشرق كشفت خللاً في العيِّنة حال دون موثوقية أرقامها. خروج المرأة إلى العمل يحتلُّ صدارة أسباب الاستقدام بنسبة 46% عدم توازن في انتقاء المشاركين.. وربع العيِّنة ليست لديهم عمالة منزلية. الدراسة أثبتت غياب المعلومات الكافية عن مزايا شركات الاستقدام. كشفت وحدة استطلاعات الرأي في أكاديمية مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عن دراسة استطلاعية أجرتها حول العمالة المنزلية في المجتمع السعودي أشارت إلى نتائج بدت في ظاهرها لافتة للنظر كمؤشرات على تفضيلات المجتمع السعودي فيما يتعلق بالعمالة المنزلية. لكنها من جانب آخر أثارت تساؤلات عديدة حول مصداقيتها وسلامتها المنهجية، الأمر الذي جعلها مثيرة للحيرة أكثر من كونها مؤشراً يُعتد به على صعيد تعطش المجتمع السعودي للمعلومة البحثية الدقيقة المبنية على جهد موثق ومدروس. وبدت الأرقام التي حملتها الدراسة وكشفت عن تفاصيلها مادة ثرية يمكن للصحف أن تلعب عليها لتقود الرأي العام في اتجاه معين من خلال النتائج المعلّبة التي طرحتها الدراسة، لكن قليلاً من التفكير في آليات اختيار العينة وأسلوب إجراء الدراسة يجعل الباحث المدقق يتحير من نتائجها ويعتبرها غير دقيقة. إشكالية منهجية بداية، تبدو هناك إشكالية في اختيار أسلوب إجراء الدراسة. فالاعتماد على الهاتف في جمع بيانات العينة يبدو أقل موثوقية فيما يخص الدراسات التي تتطلب عمقاً ووقتاً كالدراسات الاجتماعية التي تتعلق بظواهر ينبغي دراستها بدقة قبل طرحها على الرأي العام، لأن القارئ يبني قراره في أغلب الأحيان على ما يستقيه من معلومات تبثها وسائل الإعلام. وبالتالي يجب التدقيق في منهجية الدراسات قبل إجرائها. ويهمنا هنا أن نوضح أن اختيار الهاتف لإجراء الدراسة تشوبه بعض العيوب، رغم ما له من مزايا. فالهاتف يصعب من خلاله اختيار العينات الممثلة للمجتمع، على اعتبار أن لها ضوابط كثيرة ينبغي أن تؤخذ في الحسبان عند إعداد الدراسات. عيِّنة غير متوازنة ولعل ما يثبت هذه المقولة أن الدراسة التي بين أيدينا انتقت 1000 مفردة لدراستها، لم تراعِ توزيعها بشكل متوازن. ويبدو ذلك من خلال انتقاء غالبية مفردات العينة من الرياض بما نسبته 31.3%، ثم مكةالمكرمة بنسبة 21.9%، فالمدينة المنورة بنسبة 10.8%، ثم القصيم بنسبة 6.6%، فالمنطقة الشرقية بنسبة 9%. وهذا ما جعل العينة متحيزة، حيث استأثرت خمس مناطق فقط بما نسبته 79.6% من إجمالي مفردات العينة، بواقع 796 مفردة من أصل ألف مفردة، في حين كان نصيب سائر المناطق 20.4% بواقع 204 مفردات فقط. لكن العينة بدت متوازنة إلى حد ما من حيث نسبة الذكور إلى الإناث، حيث بلغت نسبة الذكور المشاركين فيها 53.5% أما نسبة الإناث فبلغت 46.5%، وهي نسبة تقترب من نسبة تمثيل الذكور والإناث في المجتمع. خلل جوهري ومما يؤخذ على الدراسة أن 66.7% من إجمالي مفرداتها لديهم خادمة، و87.2% لديهم سائق. ما يجعل متوسط المشاركين في العينة ممن لديهم عمالة منزلية يصل إلى 76% فقط. وهي من العيوب التي تجعل أرقام الدراسة غير موثوق بها إلى حد ما. ونتج عن ذلك أن نتائج الدراسة بدت منقوصة وغير مفهومة في نواحٍ عديدة. فعلى صعيد الإجابات التي جمعتها الدراسة، بدت نسب المحايدين مرتفعة، ما يثير تساؤلات حول مدى مصداقية النتائج. فالدراسة تشير إلى أن 57.3% من المفردات تؤكد أن العمالة المنزلية تتسلم رواتبها في وقتها فيما رأى 8.7% أنها لا تتسلم رواتبها في موعدها. وما يؤكد رأينا أن 34% من المفردات لم تشِر إلى رأيها في هذا الصدد، ومن المرجح أن يكون غالبية هؤلاء من الجزء الذي لا يعمل لديه خدم أو سائقون. وتكرر الموضوع على صعيد الأسر التي تمنح إجازة يوماً أسبوعياً للعمالة المنزلية، حيث أقر 18.5% بذلك، فيما نفى 31% منهم منح إجازة يوم للعمالة المنزلية، ولم يُجِب 50.5% عن سؤال الدراسة بهذا الخصوص. وهي نسبة لا يُستهان بها، ويمكن أن تثير حيرة القارئ لهذه النتائج. خمس جنسيات نالت الأولوية الدراسة لفتت إلى معلومة كان يمكن أن تعطي مؤشرات مهمة على تفضيلات المجتمع السعودي الجنسيات التي يستقدم منها العمالة المنزلية. حيث صنفت الدراسة تفضيل العمالة الإندونيسية في الصدارة بنسبة 27.5%، تلتها العمالة الفلبينية بنسبة 17.3%، ثم السريلانكية بنسبة 8.4%، فالهندية بنسبة 8.2%، ثم الإثيوبية بنسبة 4.5%. ما جعل 65% من المجتمع وفقاً للدراسة يفضلون الاستقدام من خمس دول فقط. ولو أن الدراسة حظيت بدقة أكبر على صعيد اختيار عينة ممثلة للمجتمع لكان هذا مؤشراً دقيقاً على تفضيلات المجتمع، وأسفر عن بلورة رؤية جديدة للدول التي يفضل المجتمع الاستقدام منها. أيضاً كان بإمكان الدراسة أن تحدد أسباب هذه التفضيلات، وهو ما لم تفعله لتبدو المعلومة في النهاية مبهمة نوعاً ما وناقصة. تدريب وتأثير وبينما أشار غالبية المشاركين في الدراسة، وبنسبة 69.8%، إلى أن العمالة المنزلية المستقدمة غير مدربة التدريب الكافي، يرى 18.6% منهم أن تدريب تلك العمالة مناسب للمنوط بها من أعمال فيما اكتفى 10.7% منهم بإظهار حياديتهم بهذا الشأن وهي نتيجة متوقعة، لأن من لا تعمل لديهم عمالة منزلية بين مفردات العينة يمثلون ربعها. لكن من النتائج اللافتة للدراسة أن يقر 76.3% من المشاركين فيها بأن العمالة المنزلية تؤثر في تربية الأطفال في الأسرة السعودية، وهي بالفعل نسبة تستدعي دراسات موسعة لمعرفة طبيعة هذا التأثير وحدوده، ومستواه، وطبيعة سلبية أو إيجابية هذا التأثير. وقد بدا ذلك التأثير جلياً في اكتساب الأطفال الذين تربيهم خادمات أو يعمل لديهم سائقون كلمات وتعبيرات لا تقابلها لديهم تعبيرات عربية أصيلة، ومن ثم يعد التأثير اللغوي أحد أهم آثار العمالة الأجنبية على الأطفال. أيضاً يكتسب الأطفال في الأسر التي تعمل لديها عمالة منزلية بعض العادات السلبية التي ليست مستحبة في المجتمع السعودي، فضلاً عن ارتباطهم في أحيان كثيرة بمن يربونهم من الخادمات والمربيات الأجنبيات، ما يثير خللاً في الأسرة السعودية. لكن الدراسة تجنبت توضيح ذلك الأثر. في حين يستبعد 11.9% من المشاركين في الدراسة أن يكون هناك أي تأثير للعمالة المنزلية على الأطفال، فيما أبدا 10.9% حيادهم في هذا الموضوع. نقص معلومات ومرة أخرى، لم يعرف 16.7% من المشاركين في العينة إن كان المجتمع السعودي يستخدم العمالة المنزلية بشكل مبالغ فيه أم لا. فيما رأى 70.6% منهم أن استخدام المجتمع العمالة المنزلية غير مبالغ فيه، بينما يؤكد ذلك 11.5%. لكن الدراسة لفتت النظر بشكل غير مباشر إلى أن 42% من المجتمع لا يعرفون الفرق في الأدوار بين شركات الاستقدام الجديدة ومكاتب الاستقدام السابقة، ما جعلهم يقفون على الحياد فيما يتعلق بالأفضلية في الأداء بين كليهما. لكن 24.9% يرون أن الشركات الجديدة أفضل أداء من مكاتب الاستقدام، فيما استبعد ذلك 30% منهم. وأبدى العارفون بتكلفة استقدام العمالة المنزلية انزعاجهم من ارتفاع تلك الرسوم، حيث أشار 60.3% إلى أنها مرتفعة، فيما رآها 20.5% مناسبة، ووقف على الحياد 16.9%. ولعل ما يفسر هذه النتيجة أن 16.9% من المفردات تستقدم العمالة المنزلية لغرض مجاراة المستوى الاجتماعي للأسرة، فيما يرى 21.9% أن السبب يرجع إلى كبر حجم المنزل. في حين يستقدم 46.1% العمالة المنزلية نتيجة لخروج المرأة إلى العمل، بينما يرى 23.3% منهم أن سبب الاستقدام يرجع إلى ضخامة عدد أفراد الأسرة. خيارات محدودة لكن يلاحظ أن الاستطلاع حصر الخيارات الخاصة في أسباب الاستعانة بالعمالة المنزلية في أربعة خيارات فقط كما أسفلنا، ولم يترك المجال لخيارات أخرى غيرها، في حين كان من المرجح الحصول على أسباب أخرى للاستقدام غير ما ذُكر. وبالتالي كان يجب الاستعانة بالأسئلة المفتوحة وعدم تحديد الخيارات الأربعة فقط. أما على صعيد عدد أفراد الأسرة بالنسبة للمفردات المشاركة، فكانت الغلبة للأسر التي يتراوح عدد أفرادها بين 5 – 10 أفراد ما نسبته 65%، تلتها الأسر التي يقل عدد أفرادها عن خمسة أفراد واحتلت ما نسبته 32.8%، فيما بلغت نسبة الأسر التي زادت عن 10 أفراد 9.9%. ولم تفسر الدراسة تلك النتيجة، لكن أغلب الظن أن الأسر التي يزيد عدد أفرادها عن العشرة هي من الأسر الفقيرة وبالتالي كانت الأقل نسبة. واعتمدت الدراسة على 71.6% من المفردات التي تراوحت أعمارهم بين 20 – 40 سنة، فيما بلغت نسبة من قلت أعمارهم عن عشرين سنة نحو 7.1%، أما من تراوحت أعمارهم ما بين 41 و60 سنة فشكلوا نحو 18.8%، أما من زاد عمرهم على ستين سنة فبلغت نسبتهم 1.7%. وكانت الغلبة في مستوى التعليم هي للمفردات الحاصلة على تعليم ثانوي بواقع 489 مفردة ونسبة 48.9%، تلتها المفردات الحاصلة على تعليم جامعي بواقع 342 مفردة ونسبة 34.2%، أما نسبة حمَلة الدراسات العليا فلم تتجاوز 1.8%، فيما لم يفصح 15.2% من المفردات عن مستوى تعليمهم. جهد مشكور ** ورغم ما حملته السطور السابقة من نقد إيجابي كان يمكن بتلافي مسبباته أن تتحول الدراسة إلى عمل علمي متكامل، إلا أن الجهد المبذول فيها يبقى جهداً مشكوراً، وتبقى مؤشراتها مبرراً كافياً لدراسة أكثر عمقاً ودقة وشمولية. فالهدف من ضبط منهجيات الدراسات الميدانية هو الخروج بنتائج يمكن التأسيس عليها فيما يُتخذ من قرارات، وأن تكون مفسِّرة للظاهرة التي تدرسها. ونحسب أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يملك من الخبرات والإمكانات ما يكفي لتقديم دراسات عميقة وممنهجة تُسهم في تطور المجتمع والارتقاء به.