كنت وما زلت أختلف تماماً مع بعض الأصوات التي تنادي بالتطوير والتحديث والتحسين في العملية التعليمية بجميع عناصرها، ومحور الاختلاف لا يعد قبول أو رفض مضمون ذلك جملة وتفصيلاً، فهذا أمر من الضروريات لا يرفضه إلا جاهل، لكن الاختلاف يتمحور حول آلية التنفيذ، ومن أين تبدأ؟ حتى تكون ناجحة ومعينة لنجاح العناصر المتعلقة بها كلها. وقد كنت تطرقت لمضمون ذلك في مقالات سابقة حين أشرت إلى أن كل المشروعات التربوية والتعليمية التي تسعى لتطوير العملية التعليمية لن تنجح ما لم تكن البداية من صنع البيئة التعليمية المدرسية الجيدة والمتمثلة في (تجهيز المبنى المدرسي المناسب) وفق متطلبات العصر ليستوعب عمليات التطوير والتحسين والتحديث المتعلقة بعناصر العملية التعليمية الأخرى (المعلم، الطالب، المنهج). فتطوير هذه العناصر الثلاثة نحو الأفضل مرهون بمدى وجود المبنى المدرسي والبيئة الجاذبة على أرض الواقع وليس بالكلام فقط.خلال فترة عملي كمعلم لمدة 15 عاماً كنت أتساءل: هل سيأتي اليوم الذي تكون كل مدارس وطني حكومية وعلى الطراز الحديث الذي نريده؟ هل من سبيل للوفاء بالوعود الخمسية والعشرية التي تتعهد بالقضاء على المستأجرة؟ وتمر السنوات تلو السنوات وتذهب هذه الوعود أدراج الرياح. فما يصرف من اعتمادات لا يمكن مقارنته بما يتم إنجازه على الواقع.من المشاهدات التي رصدتها في أثناء عملي بتعليم محافظة القريات حول هذا الأمر (المباني المدرسية) ما كنت قد طرحته برفقة أحد الزملاء الأفاضل من منسوبي التعليم بالمحافظة وهو الأخ القدير الأستاذ خالد الحربي في منتدى وزارة التربية والتعليم – قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ويختفي – والمتمثل في تقرير تضمن صوراً فوتوغرافية لعدد من المباني المستأجرة المتهالكة وعدد من المشروعات الحكومية التي بقيت متعثرة لمدة طويلة من الزمن، حيث وصل تأخر البعض منها إلى أكثر من سبع إلى ثماني سنوات، ويأتي مدير ويرحل والأمر كما هو والأسباب غائبة، حيث كان هذا التقرير في عام 1426/1427. وكان قد سبقه تحقيق أجريته تضمن تصريحاً لمديري التربية والتعليم السابقين يفضي بأن هناك خطة للقضاء على المدارس المستأجرة بالمحافظة وترجل ذلك المدير وفقه الله وأتى بعد مدير ورحل هو الآخر وبقي هذا الأمر يؤرق المهتمين بالشأن التربوي وفي مقدمتهم الطالب والطالبة. وهذا لا يعني انتقاصاً من جهود الزميلين الفاضلين، ولكن عجلة القضاء على المباني المستأجرة كانت تدور ببطء شديد، وأنا أقول شديد لأن ما سيأتي لاحقاً سيثبت صحة ذلك والمعيار الذي نحتكم إليه في هذا الأمر هو المدة الزمنية.تولى الأستاذ الفاضل سالم بن محمد الدوسري دفة الإدارة التعليمية بالقريات في 28/4/1432 وكان قد أبدى انزعاجه الشديد من وضع المباني المدرسية في المحافظة في اجتماعاته، شكل لجنة لمتابعة الوضع والوقوف على تقارير تصف حالة المباني لتتخذ التدابير اللازمة وتخلي على الفور كل المباني التي قدمت عنها تقارير بأنها غير صالحة.لا أخفيكم بأنني كنت أردد في نفسي المثل الذي يقول (الشق أكبر من الراقعة) لكن ومع استمرار الأيام والمتابعة الشديدة لهذا الموضوع تقدمت الخطى بشكل واضح فلا يكاد يمر شهر إلا وتنتقل مدرسة إن لم تكن مدرستان لمبنى حكومي حديث وتم سحب بعض المشروعات المتعثرة من مقاوليها وتطبيق الجزاءات بحقهم.قررت ذات يوم أن أسأل مدير إدارة المباني بتعليم المحافظة عن إحصائية المباني الحكومية الجديدة التي تم الانتقال إليها في عهد الإدارة الجديدة، فكانت المفاجأة السارة أن الإدارة استغنت وخلال أقل من عام عن ثلاثين مبنى مستأجراً واستبدال مبانٍ حكومية جديدة بها، كما تم استلام ستة عشر ملعباً وعشر صالات رياضية منها ثلاث صالات رسمية يمكن إقامة أكبر الاحتفالات الرياضية والمهرجانات عليها. كما ذكر لي أن هناك عشرة مشروعات سيتم استلامها قبل نهاية العام الحالي 1432/1433ه، ثلاثة منها يدرس فيها حوالي ثلاثة الآف طالب. ما يعني أن حصاد الإدارة من المباني الحكومية في المحافظة خلال عام واحد سيكون أربعين مدرسة حكومية. وقد أثنى أثناء حديثه معي على دعم الوزارة ممثلة في سمو الوزير ومعالي النائب وسعادة المشرف العام على وكالة المباني بالوزارة فقد كان لدعمهم كبير الأثر.هذه الإنجازات يا سادة أصبحت ملموسة على أرض الواقع وليست مجرد تكهنات، وقد تحققت بفضل الله أولاً ثم بفضل دعم قيادة البلد الرشيدة، ومن باب شكر المجتهد والمنجز كان واجباً علينا أن نقول لقائد التربية والتعليم بالمحافظة: شكراً أستاذنا سالم الدوسري نيابة عن كل طلاب وطالبات القريات وأولياء أمورهم. فقد تم ذلك لإيمانكم بأن التطوير الحقيقي ينبع من تهيئة البنية التحتية والمتمثلة في المباني المدرسية الحديثة المجهزة بشكل تام ثم بفضل المتابعة الجادة والخطة المحددة بالزمن لتحقيق النتيجة.أختم حديثي قائلاً: لو أن كل إدارة تعليمية نهجت ذات الأسلوب وذات الطريقة وعقدت العزم الصادق تجاه هذا الأمر وفق زمن محدد، لكانت النتيجة تحقق مرادنا ومراد طلابنا وطالباتنا في وجود البيئة التعليمية التي تساعد في تطوير العناصر الأخرى واستطعنا التغلب على معيقات المبنى المدرسي التي تقف حائلاً دون نجاح كثير من المشروعات التربوية المتعلقة بالطالب والمعلم والمنهج.