أهمية التعليم العالي لاتخفى على أحد وهي ترتكز كما ذكرت في تدوينة سابقة على ثلاث محاور: التعليم، البحث العلمي، اقتصاد المعرفة. وإضافة لهذه المحاور فالتعليم العالي يتحمل مسؤولية كبيرة في تعزيز القيم وخدمة المجتمع والمشاركة المدنية، والجامعات هي المصنع الأول المنتج للثروة البشرية والتي تمثل رأس المال الحقيقي للوطن والقطاع الخاصة في سوق العمل، وحتى يحقق التعليم العالي المزيد من الإنجازات فثمة عوائق في الطريق ينبغي التنبه لها حتى لايتعثر المسير. لم يستطع التعليم العالي الوصول بنتاجه لما يتطلع إليه عالم المال والأعمال من مخرجات بشرية، فالجامعات تقوم بتخريج آلاف الطلبة سنوياً ومئات الآلاف على مدار السنين ومنهم كثيرون مفتقدون لمهارات النجاح التي تمكنهم من بدء أعمالهم الخاصة بالإضافة لضعف إمكاناتهم وقدراتهم في إقناع الشركات لكي تستعين بهم وتوظفهم، موادنا الجامعية تركز على مهارة الحفظ لا على مهارات التفكير الإبداعي والنقدي لذلك فنحن نعاني من فائض مزمن في خريجي الجامعات ونواجه في الوقت ذاته نقصاً في أعداد العاملين المؤهلين الذين ينشدهم أرباب العمل وهنا يظهر شبح البطالة. الزيادة في أعداد الجامعات مطلبٌ مهم للتغلب على أحد أهم العوائق التي تواجه التعليم العالي العالمي في أن يكون التعليم العالي متاحاً للجميع، والصعوبة تكمن في تحقيق معايير الجودة ومراقبة الأداء والتي من المفترض أن تكون متزامنة مع هذه الزيادة في أعداد الجامعات، ومن المهم أيضاً أن تبدأ الجامعات في تعليم الطلبة أثناء حياتهم الجامعية كيف يؤسسون أعمالهم الخاصة في مختلف التخصصات وفي هذا حلٌ للبطالة الحقيقية والمقنعة فتسعة أعشار الرزق في التجارة، مالذي سيفعله خريج الجامعة المتفوق بالشهادة المرصعة بالأختام والتواقيع إن لم تكن معبرة فعلاً عن علمٍ اكتسبه ومهارة حقيقية أتقنها يستطيع أن يعيش منها ويفيد بها مجتمعه. نحن نعاني من ضعف خريجي التعليم العام في مهارات اللغة والعلوم والرياضيات والتفكير التطبيقي رغم المحاولات التي تقوم بها الجامعات في فرض السنة التحضيرية على جميع الطلبة فإنها تكرس الجهد لتقوية هذا الضعف في مخرجات التعليم العام! الأمر الذي يفرض ضرورة التفكير في إيجاد طريقة تعاون وتنسيق مثمر بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي من أجل تحسين مستوى خريج المرحلة الثانوية. عقبة أخرى تتلخص في اعتماد التعليم العالي على مصادر الدخل الحكومية بشكل كبير جداً، وإذا أردنا أن نكفل لجامعاتنا البقاء والتنافسية العاليمة فعلينا التفكير في استحداث أنظمة وقوانين للاستقلال المالي والإداري فبذلك نضمن لها الوجود في عالم لايعترف إلا بالاستثمارات الضخمة وريادة الأعمال وتأسيسها، وجامعاتنا حالياً تحاول بوعي ملحوظ تنويع مصادر الدخل باستثمارات وتأسيس شركات وأوقاف سيكون لها وزن وأثر سيظهر بعد حين فالرحلة شاقة وطويلة. تمزقنا بل تقتلنا البيروقراطية والقرارات الضبابية! ستكون محظوظاً إن كنت طالباً أو موظفاً وتقدمت بمعاملة وحصلت على رد شافٍ وكافٍ في شهر أو اثنين! كما أن كثيراً من القرارت التي تصدر تفتح باب الاجتهادات والتأويلات بشكل مزعج! وتستهلك أوقات المسؤولين والمنسوبين فيما بعد في الاستفسار والرد والأخذ والجذب ومثال ذلك: قضية صرف بدل الندرة لأعضاء هيئة التدريس المبتعثين بالجامعات، فمنذ عام 1429ه وحتى اليوم مازال اللغط مستمراً والجدل قائماً وكل جامعة تفسر القرار بطريقتها الخاصة! فجامعة تصرف البدل كاملاً لمبتعثيها والأخرى تصرف نصفه والثالثة لم تصرف منه شيئاً رغم وجود قرار واضح في خطاب الأمين العام لمجلس التعليم العالي بالنيابة د. محمد العوهلي، مما اضطر مبتعثي الجامعات لكتابة عشرات الخطابات بطلب صرف بدل الندرة لهم بالكامل!. همسة: التنظير من على الأريكة الفاخرة رغم أهميته إلا أنه لايوازي حجم الجهد المبذول من المرابطين على ثغور التعليم العالي، فللمخلصين منهم نرفع القبعة احتراماً وإجلالا.