رصدت «الشرق» تحركات عدد من المتسولين والمتسولات في الرياض أمام إشارات المرور، وعند أرصفة المساجد الكبيرة لطلب المال من الصائمين والمصلين. ويأتي استغلال المتسولين لشهر رمضان واضحاً للعيان على سبيل الكسب من أموال المصلين الذين يحبِّذون العطاء في مختلف أوجه الخير، ومنها الصدقة حتى لو ذهبت إلى أناس مجهولين لا يُعرف مدى حاجتهم ومدى فقرهم وعوزهم. أم محمد تطلب المال من قائدي المركبات عند إشارة المرور التي حجزتها لنفسها أم محمد الدوسري تطلب المال من المحسنين عند تقاطع شارع الأمير عبدالعزيز بن جلوي مع فيصل بن تركي بن عبدالعزيز، منذ بداية الشهر الفضيل.. قالت: «تعودت أنا وزميلاتي أن نتوزَّع على إشارات وسط مدينة الرياض قبل بدء شهر رمضان كي لا نختلف مع بعضنا ونلتقي في نفس الإشارات. مضيفة: «نحن فعلاً في حاجة ماسة وهذا ليس للتلاعب ولكن فقط لكي ينال كل منا نصيبه». وعن مجمل المبالغ التي تحصل عليها أم محمد في شهر رمضان قالت: «موسم رمضان الحالي هو الأقل دخلاً لي منذ السنوات الخمس الماضية، وقد تصل المبالغ التي أحصل عليها من المحسنين إلى 3500 ريال وهي تكفيني وأسرتي لقرابة 3 أشهر من العيش دون سؤال أحد». التسول أمام إشارات المرور ليس سبيلاً وحيداً للمتسولين والمحتاجين، بل تجدهم أمام مداخل المساجد والجوامع الكبيرة، ففي جامع الملك خالد في أم الحمام وجدنا أم فاطمة التي ابتعدت عن المشي أمام مركبات المواطنين عند الإشارات واتخذت رصيف المسجد سبيلاً لها لتلقي الصدقات، وقالت: «رجلي لم تعد تتحمل المشي وهنا أجد الراحة وأجد كرم المصلين من كافة الجنسيات الله يجزاهم خير». وفيما لو كان هناك توزيع خاص للمتسولات أمام المساجد أكدت أم فاطمة أن الأمر يختلف هنا، مضيفة: «من المتعارف عليه أن هناك نساء يتسابقن على حجز إشارات المرور، ولكن في المساجد الأمر يختلف فقد تجلس أكثر من امرأة عند المسجد نفسه «. وفضَّلت أم فاطمة الجلوس وطلب ما لدى المحسنين أمام جامع الملك خالد لأن حظها جميل من مصلِّي الجامع، ولإعجابها بصوت الشيخ خالد الجليل الفتان على حد وصفها. وأفصحت أم فاطمة عن تلقيها ما بين 3000 إلى 4000 ريال عند هذا الجامع في كل موسم، مشيرة إلى أن المبلغ يكفيها وطفليها لمدة كبيرة تصل إلى 4 أشهر دون الحاجة إلى سؤال الناس. د. طارق الحبيب من جهته أكد استشاري الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب أن هناك ظاهرة لدى المجتمع السعودي بأن يزيد من إنفاقه في شهر رمضان، مشيراً إلى أن المواطن السعودي لا يثق في اللجنة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية الخاصة بمكافحة التسول بتعاملها مع المتسولين، ولا يثق أيضاً بالمؤسسة المسؤولة عن إيصال الصدقات، قائلاً: «عدم الثقة هنا ليست عدم ثقة بالأشخاص بل من ناحية عدم الثقة بأن الصدقات ستصل وتغطي جميع الفقراء وهنا عدم ثقة إيجابية». ولفت الحبيب إلى أن هناك عاطفية عالية لدى أفراد الشعب السعودي أدت لاستفادة المتسولين والمتسولات في هذا الشهر الفضيل، مؤكداً أن هذه العاطفة مستغلة. وبين الحبيب أن الفقير غير السعودي قد يستفيد من التسول، مضيفاً: «هذا لا مانع منه حيث إن الحسنة هي لكل إنسان مهما اختلف جنسه، حتى لو كان غير مسلم، لكنْ الأقربون أولى بالمعروف لتنظيم عملية الصدقة». وطالب الحبيب بالتبرع العشوائي للمتسولين والفقراء حتى ظهور دور فعال للجمعيات التطوعية الخيرية التي يجب أن تساند الأنظمة الحكومية في تكوين مجالس أحياء لإدارة هذه الصدقات، بحيث يمنح سكان الحي صدقاتهم لشخص معتمد يثقون به، مستطرداً: «من هنا يكون للحي دور كبير في الكشف عن حجم الفقر والعوز وتنظيم آلية التبرعات التي يجب أن تكون تحت مظلة الحكومة حتى لا نقع في مظلات إرهاب وما سواه».