وصف الروائي أحمد الدويحي بعض نُقاد الرواية بالمنمطين بالرغبات والخاضعين لتطويع المزاج والانتقائيين والمندفعين نحو أنساق يعيبونها نظرياً ويقعون فيها عملياً. وشدد الدويحي خلال مسامرة ثقافية أقيمت في فرع جمعية الثقافة والفنون في الباحة مساء أمس الأول، على أن السرد لم يكن ذا قيمة أدبية في المملكة، وأن القصة القصيرة كانت أقوى منافس للشعر. الرواية السعودية وقال إن الرواية السعودية الحديثة لم تُكتب سوى بعد 11 سبتمبر 2001م، مصنفاً نفسه وآخرين جيلاً ثانياً بعد محمد علوان وحسين علي حسين ومحمد الشقحا وعبدالعزيز مشري، مضيفاً أنها انطلقت من المدينتين المقدستين مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ما يعني بالضرورة مدنية الرواية وتحقق التراكمية من خلال فضاء المكان ونشاط الإنسان المتحضر نسبياً عن بقية الأمكنة. وأبدى الدويحي تحفُّظه على الناقد الدكتور عبدالله الغذامي الذي يرى في رجاء الصانع روائية أهم من الروائي عبدالرحمن منيف. واستعاد تاريخ السرد من خلال القصص القرآني والأحاديث النبوية وكتب التاريخ والسير والحكايات الشعبية. وبين أن الغرب أتقن الرواية وسبقنا في كتابتها بواقعية، كما في رواية «الصخب والعنف» لفوكنر، و»بين مدينتين» لديكنز، معلناً أنه لا يعترف بالرواية التعليمية ولا التاريخية، لافتاً إلى أن الرواية أدب شامل يتعالق مع كل تفاصيل الحياة. السرد حكاية وشارك في المسامرة إلى جانب الدويحي أستاذ التاريخ والسيرة النبوية في جامعة الباحة الدكتور خميس سالمين، الذي تحدث عن السرد، وقال إن السرد التاريخي والسرد الروائي يعود إلى الحكاية باعتبارها مروية شفاهياً، إلا أن السرد يتطلب خيالاً وذوقاً أدبياً، مشيراً إلى أن بنية السرد تقوم على ذاكرة الراوي برغم أنه لا يولي الحقيقة كبير اهتمام، ولا يراعي الدقة في توثيق الأخبار بقدر ما يعنيه جذب انتباه مستمعيه، مستبعداً خلو التاريخ من التوجيه باعتبار أن الرواية الشفاهية محتملة الإضافات والتحريف كون الراوي المؤرخ قابلاً للتأثر واختلاق الأساطير والصمت عن بعض القضايا مهابة للقداسة أو السلطة، ما يجعل سياق السرد التاريخي ناقصاً أو غير موضوعي. إهمال الباحة ووصف سالمين كتب التاريخ الإسلامي الأولى بالانتقائية من الحكايات والروايات الشفاهية، وتسرد بما يخدم الموروث الديني والسياسي في عصر تدوينها، مؤكداً أن التاريخ الإسلامي يمكن دراسته كعلم وإخضاعه للفحص والتدقيق باستعمال العقل لتجريده من المرويات المصنوعة من الخيال، لافتاً إلى أن الدولة العثمانية غيّبت تاريخ الباحة كونها أهملت الأطراف، علماً بأنها كانت «سلة غذاء» للمدن الرئيسة، ولها تاريخ منثور في مخطوطات الكتبة من الفقهاء المعنيين بتدوين النشاط اليومي. وقال إن روايات كمال الصليبي محتملة الصواب، وأن دراستها أولى من إهمالها أو نفيها. تعليق الحضور وشهدت المسامرة مداخلات، كانت إحداها للدكتور سعيد الجعيدي الذي دعا إلى التفريق بين التاريخ كعلم والسرد التاريخي كفن. وقال المؤرخ سعد الكاموخ إن روايات التاريخ واقعية باعتبارها ناقلة للدين ولتراث وموروث السالفين مما تواتر وتوافقت عليه الروايات. وسلط المؤرخ محمد ربيع الضوء في مداخلته على فن التخييل واستعاضة بعض الرواة بالمتخيل في حال العجز عن ضبط وتوثيق الواقع، مستشهداً ببعض الرواة، ومنهم وهب بن منبه ممن ألفوا تاريخاً مُتخيلاً. واستغرب عبدالخالق الغامدي اختصار السيرة النبوية في المناهج على المغازي وتجاهل السيرة السلوكية، مؤملاً أن يجد نفسه وأهله وبيئته في كتب التاريخ ليتعزز الانتماء للوطن. في حين طالب الدكتور جمعان عبدالكريم بتحرير المصطلحات معيداً مقولة «التاريخ يقوم على انتقاء كذبة من عدة كذبات كونها أقرب للحقيقة». وأثنى مدير فرع الجمعية علي البيضاني، على ضيوف وموضوع المسامرة وما أحدثته من حوار نجح في إدارته الشاعر غرم الله الصقاعي.