ذكر الأستاذ حمد القاضي في كتابه الجميل «قراءة في جوانب الراحل الدكتور غازي القصيبي الإنسانية من عام 1359 إلى 1431ه» جملة من المواقف العظيمة لهذا الرجل، وقد استوقفني هذا الموقف الذي عنون له ب (الموقف الإنساني الذي جعل القصيبي يبكي) وسرد الموقف مؤكدا أن الرجل لم يحزن لمنصب فاته، ولم يبك لمال فقده، فقد ضحى بكثير بل كان يعمل بلا راتب في آخر ثلاثين سنة من حياته، حيث تم تحويل رواتبه إلى جمعية الأطفال المعاقين، هذا العظيم كان يبكي من أجل المواطن، ونحن في زمن يبكينا المسؤول بل يهزأ بنا (ويقول سلملي على أمك). أدهشني هذا الرجل حتى تمنيت أن يعود لنا غازي القصيبي الإنسان. يقول حمد القاضي: عادة الإنسان رجلا أو امرأة قد يبكي لأمر يخصه، أو عزيز يفتقده.. وهذه رحمة وإنسانية، لكن أن يبكي الإنسان من أجل شأن عام، ومن أجل آخرين أو ضعفاء أو مرضى، فتلك هي قمة الإنسانية والرحمة. الدكتور غازي القصيبي واحد من الذين يبكون من أجل غيرهم رغم ما عهد عنه وفيه من قوة وحزم.. روى لي فهيد الشريف أحد زملائه وأصدقائه المقربين أنه رافق الدكتور غازي عندما كان مديرا عاما للشؤون الإدارية والمالية في وزارة الصحة.. رافقه لزيارة مستشفى الولادة والأطفال في المدينةالمنورة، وعندما بدأ الجولة وجد غرف المريضات وغرف الأطفال في وضع مزر (نظافة وصيانة وخدمات) وظل يستمع إلى شكاوى المريضات وبعضهن كن يبكين، فما كان من الدكتور غازي – رحمه الله- إلا أن انسكبت الدموع على وجهه، ولم يملك أن يرد عليهن.. فجلس في إحدى غرف المستشفى واتخذ على الفور قرارات إدارية عاجلة تتعلق ببعض المسؤولين في المستشفى، ثم طلب سرعة انتقال المريضات والأطفال إلى مستشفى آخر، فأجابه مسؤولو الصحة في المدينة بأن هناك أرضا انتهت مخططاتها وسوف يبنى عليها مستشفى جديد، فأجاب: هل تريدونني أن أغادر المستشفى ولم أطمئن على حل سريع لهذا الوضع المزري؟ وأضاف: كيف سأرتاح وأنا أتخيل وضعهم؟ ثم سأل عن أي مبنى يمكن أن ينقل إليه المرضى، فذكر له أحد الحضور أن هناك مبنى مناسبا تابعا لوزارة الحج والأوقاف والوزارة لا تستخدمه حاليا، فما كان منه إلا أن طلب على الفور معالي الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع وزير الحج والأوقاف السابق -رحمه الله- وبعد السلام عليه قال: إنني سأطلب منك طلبا وأرجو ألا تردني فهو يهمني كثيرا، ثم طلب منه المبنى التابع لوزارة الحج ليكون مستشفى مؤقتا للنساء والأطفال في المدينة حتى ينتهي المبنى الجديد، ووافق الشيخ عبدالوهاب، وعندها أحسسنا بارتياح كبير بدا على وجه الدكتور غازي وكأن جبلا من هم انزاح عن قلبه وظل -رحمه الله- يتابع انتقال المريضات والأطفال يوميا من مكتبه في الرياض، ولم تمض أيام حتى تم نقلهم جميعا. نعم إنه غازي القصيبي! رسالة لكل مسؤول أرجوك اقرأ كتاب غازي القصيبي «حياة في الإدارة» بقلبك وعقلك لا بلسانك وهواك وحاول أن تفعل ما يسرك أن تلقاه، حاول أن تترك في حياتك شيئا تذكر به. سُئل أردوغان في أحد المؤتمرات «كيف جعلت تركيا تصل للدرجة ال9 كأغنى دول العالم بعدما كانت ال111 قبل توليك السلطة؟ فأجاب باختصار: لا أسرق!. فمتى يعود لنا غازي القصيبي أم أن أرحام النساء عجزت عن أن تنجب مثله؟!