في حديث لرئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أعانه الله وهيئته على بلوغ الأهداف الرامية إلى تحقيق النزاهة المرجوة في القول والعمل.. أوضح معاليه محذراً ب(أن إعلانات التهاني تعتبر شبهة). ومع الأسف أن ظاهرة غير حميدة أخذت تطفو على السطح وهو ما تزخر به وسائل الإعلام من صحافة وقنوات فضائية بما يشبه العروض التجارية ومواسم التخفيضات بهدف التخلص من بعض السلع. إعلانات تصدر في أكثر من صحيفة في آن واحد في حين يمكن الاكتفاء بإعلان واحد وقد لا يلزم على الإطلاق، حيث مناسبات الأفراح والأتراح من تهانٍ وتعازٍ.. وتطغى المادة الإعلانية ما يفقدها أهميتها عند المتلقي ويؤدي إلى إهمالها عند وصولها. وتمر أعداد لا ينظر إليها القارئ رغم ما تحتويه من مواضيع مهمة ومفيدة.. وتعارضها مع القول المأثور (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب).. لما فيها من المبالغة نثراً وشعراً يصعب تقبله ومعه الإسراف في التكاليف المادية لتلك المناسبات. ولما يشوب البعض منها من رياء وسمعة كما تشغل كثيراً من وقت الفضائيات.. يأتي ذلك على حساب السعي لإبراز الإبداع والعمل الهادف، هذه المناسبات أُسيءَ استغلالها وتحولت إلى استعراض ودعاية وتفاخر وشكلت عبأً مادياً وجهداً بشرياً على الإدارات الحكومية والمسؤولين فيها، وكذا على الأشخاص المعنيين بتنظيمها والصرف عليها، حيث البعض جعل منها مجالاً للتظاهر والتقرب من بعض المسؤولين النافذين في تلك الجهات..؟ هذه المظاهر تصدر عن أناس قد لا تربطهم علاقة أو سابق معرفة أو دراية بالمتوفى والمعزى فيه، والمهنأ والمكرم والمرحب والمحتفى به، عند زيارة أو قدوم هذا المسؤول أو ذاك كما تصدر عن مؤسسات علمية كالجامعات تستقطع التكاليف من ميزانياتها. أولى بها أن تدفع مكافآت مجزية للمبدعين من طلابها، وللمفكرين من أساتذتها كجزء من مسؤوليتها تجاههم، بما يحفزهم على الابتكار وتقديم الاختراعات وإعداد البحوث ومثلها بنوك وشركات مساهمة تستقطع التكاليف من حقوق مساهميها بغير إذن أو موافقة مسبقة من مجلس إدارتها أو جمعية المساهمين فيها أو أن تستقطع من رواتب بعض موظفي هذه الإدارة أو تلك بغير رغبة أو قناعة منهم. ف (أخبث داء في الحياة تفاخر). ضمائر فاسدة يجلبها أصحابها في أسواق كاسدة (سوق الذمم) كجالب المدافئ والفراء والحطب صيفاً ذلك هو الفساد بعينه (فساد النيات والضمائر)، المؤدي للفساد المالي والإداري وإعاقة المسيرة التنموية المباركة..!؟ فإن تحقق (أمر كان يقصده)، زاد في الإطراء وقال في الممدوح ما لا يستحقه من الثناء وعدّد من المناقب الكاذبة، وإن لم (انتهى الأمر). قيل عنه ما لا يحمد من المثالب والانتقاص من شخصه ومركزه وكم من مضياف في منزله ومزرعته واستراحته أعرض عن هذا المسؤول أو ذاك، وكم من مسؤول انقطع عن الأنظار بعد أن ترك الوظيفة أو تركته فاختفى المادحون والعازمون وانقطعت ولائمهم وهداياهم، وخلا مجلسه من أصحاب المآرب والمصالح بعد أن كان عامراً بمَنْ كانوا يرتادونه لأمر ما..؟ فهذا عبدالله بن الزبير في أيام حكمه عندما قدم إليه وفد بني جعدة.. وامتدحه شاعرهم أجابه ابن الزبير قائلاً: (يا أبي ليلى إن أدنى وسائلك عندنا الشعر: لك في مال الله حقان، حق برؤيتك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحق بشراكتك أهل الإسلام في فيئهم)..؟ وهذا أبو الطيب وقد أسرف في الإطراء والمديح، فلما خاب ظنه ولم يتحقق مطلبه انقلب إلى الضد فمن المديح إلى الهجاء ومن المناقب للمثالب. ورحم الله غازي حيث قال: لا يستوي قلم يباع ويشترى..!؟ أو: ستقال فيك قصائد مأجورة..!؟ وآخرون قالوا: إذا المرء لم يمدحه حسن فعاله فمادحه يهذي وإن كان مفصحاً مدحتك للضرورة لا لأني رأيتك مستقلاً بالثواب وللنفس أخلاقاً تدلُ على الفتى أكان سخاءً ما أتى أم تساخيا ومن هذه الحالات وغيرها كثير نرى أن البعض يخدع نفسه قبل غيره، فهو غير صادق فيما يقول أو ما يفعل أو ما يبديه من مشاعر ومظاهر..؟ وهنا نسوق هذا الاقتراح للجادين الراغبين بصدق نية في المشاركة في الأفراح والأتراح سواء (مواسين ومعزين أو مهنئين ومحتفين) بأن يتم توجيه التكاليف إلى دعم أوجه الخير المتمثلة في نشاطات النفع العام وخدمة المجتمع بما يعود أثرها بالأجر والثواب على من قدمها وقدمت له أو عنه وذلك بأن يكتفي ببعث رسالة تتضمن الدعاء بالمغفرة للمتوفى والترحم عليه والدعاء لمريض بالشفاء وبالتوفيق لمَنْ وجهت له التهنئة بالتعيين والترقية وبالشكر للمنقول وبطول العمر وحسن الخاتمة للمتقاعد ليعود ثواب ذلك وأجره بإذن الله على الجميع بمَنْ فيهم المتبرع وأسرته هذا ويمكن أن يرفق مع الرسالة شيك أو صورته بقيمة الإعلان باسم إحدى الجمعيات الخيرية.. أو لمريض لإنقاذه من حالة فشل كلوي أو كبدي، أو لإحدى الأسر المتعففة أو إطلاق سراح سجين تم إيقافه لعدم تمكنه من سداد إيجار مسكنه، فذلك أجدى وأنفع عند الله والناس بدلاً من دفع التكاليف لجهة تجارية إلا أن يكون القصد (اذكرني عند ربك)..!؟ إن تقديم الهدايا والجوائز كالساعات، والأقلام، والحلي، والإلكترونيات ولعب الأطفال، وغيرها من منتجات أجنبية بعضها رديئة أو مقلدة تشكل خطراً على مستخدمها، ودروع تكريم متكررة للشخص ولأكثر من مرة في العام جيدها ورديئها مع كثرتها وقلة أهميتها، فإن محطتها الأخيرة الأرفف الخلفية أو حاويات البلدية..!؟ مما تقدم فإن من المفيد القيام بدراسة الأمر من قبل الجهات المعنية وإصدار توجيهات بشأنها واعتماد ضوابط منظمة لما يلي: 1 – الاحتفال والاحتفاء والترحيب بالضيوف والمسؤولين في مختلف المناسبات. 2 – المشاركة في الأفراح والأتراح والتهاني والتعازي. 3 – تقديم الهدايا والجوائز والدروع وقصرها على المنتجات الوطنية أو ما هو من التراث والأعمال الحرفية والفنية المحلية. وهذا ابن زيدون بالغ في المديح حتى أودع السجن، وندم قائلاً: قل للوزير وقد قطعت بمدحه زمناً فكان السجن منه جوابي لم أحظ في حقي الصواب موفقاً هذه جزاء الشاعر الكذاب هذا وعلى الجميع أن يتقوا الله فيما يقولون ويفعلون، وألا يبالغوا أو يسرفوا في استغلال تلك المناسبات، فذلك قد يصرف المناسبة عن هدفها الأسمى والإنساني النبيل مع الأخذ في الاعتبار التكاليف والتجاوزات المالية في صرف المادة والمواد والجهد البشري، وما قد يشغل بعض المسؤولين والمختصين عن مهامهم الأساسية.